بدأت مسيرات العودة وكسر الحصار معلنة عن نفسها كأسلوب مقاومة سلمية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي على امتداد المناطق الشرقية لقطاع غزة المتاخمة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، قاطعة شوطًا زاد عمره على المائة وثمانين يومًا، وسط إصرار شعبي واضح للاستمرار في فعالياتها حتى تحقيق أهدافها الوطنية التي انطلقت من أجلها.
ويؤكد عضو اللجنة الوطنية العليا لمسيرة العودة، هاني الثوابتة، أن مسيرات العودة برزت كمحطة من محطات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال ومشاريعه وجرائمه، فيما أنها وبعد أن قطعت شوطًا طويلًا أثبت نجاعته دون أي تشكيك.
حراك عالمي
وأوضح الثوابتة في حديثه لـ"فلسطين"، أن مسيرات العودة حققت ضمن سُلّم إنجازاتها حراكًا عالميًا وإقليميًا تجاه القضية الفلسطينية، وأعادتها للصدارة بعد أن غابت عن طاولات البحث لسنوات طويلة بفعل الحروب والإشكالات الداخلية التي تعاني منها دول المنطقة.
وانطلقت مسيرة العودة في الـ30 من مارس/ آذار الماضي، بمشاركة مئات الآلاف من المواطنين، مُشكلةً في ثناياها حالة شعبية مقاومة فريدة ومتنوعة، واجهها جنود الاحتلال الإسرائيلي بالقوة العسكرية الغاشمة ما أدى لاستشهاد 171 موطنًا، واصابة أكثر من 18 ألف آخرين.
وقال الثوابتة إن مسيرات العودة جسدت الوحدة الفلسطينية في الميدان بين كل مكونات المجتمع الفلسطيني، والعمل المشترك في الميدان، شاملة كل القوى والشرائح والفئات العمرية، ما أعطى المجال للانخراط في العملية النضالية.
وأضاف أنها أوقفت فعليًا كل محاولات التسويات والمبادرات والمشاريع السياسية المستهدفة للثوابت الفلسطينية، و"كي الوعي"، وتذويب الحقوق التاريخية، فيما أعادت الفكرة بإمكانية بتحقيق حلم العودة رغم حاجته فعليًا وواقعيًا للوقت.
وأشار الثوابتة إلى أن دولة الاحتلال عاشت وبفعل مسيرات العودة على طول أيام انطلاقها ولا تزال حالة من الارباك، والاستنزاف، والتهديد الأمني، أوصلها لأن تنفي صلتها بالحصار المفروض على قطاع غزة وربطه بالانقسام السياسي.
عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين عصام أبو دقة بدوره، يؤكد أن مسيرات العودة وبفعل الزخم الجماهيري الحاشد المشارك فيها دون انقطاع، أنتجت حراكًا دوليًّا تجاه غزة والقضية ككل بعد سنوات من الترك والنسيان.
انعدام الأمن
وذكر أبو دقة لـ"فلسطين"، أن أحد أبرز النتائج التي حققتها مسيرة العودة انعدام حالة الأمن والاستقرار للمستوطنات المحاذية لقطاع غزة، وإيصال رسالة فحواها أن الشعب الفلسطيني لن يكون الوحيد الذي يتجرع الألم والقسوة.
وأشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لم يدخر جهدًا ووسيلة من وسائله القمعية لإجبار المتظاهرين المشاركين في مسيرات العودة على وقف تظاهراتهم قرب السياج الأمني الفاصل، وهو ما يشير إلى حجم التأثير الذي تركته المسيرات.
ومن ثمار مسيرات العودة، وفق أبو دقة، إحياؤها لثابت حق عودة اللاجئين وفرضه على جدول الأعمال الدولي، وإحباط ما تسمى بـ"صفقة القرن" الأمريكية، فيما كشفت الاحتلال وزيف ادعائه بالأخلاق في تعامله مع الشعب الفلسطيني في حراكه السلمي.
ولفت إلى أن المسيرات أكدت مخزون الشعب الفلسطيني النضالي، واستعداده للتضحية، ودفع الأثمان في مقابل حفاظه على المشروع الوطني، بينما "فرلمت" مشروع حراك التطبيع بعض الأطراف العربية والإقليمية مع الاحتلال.
ويتفق الكتاب والمحلل السياسي هاني حبيب، مع سابقيه، بأن مسيرات العودة أعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، ووضعتها مجددًا على أجندة العالم من حيث ردود الفعل الدولية من قبل الأمم المتحدة وأمينها العام والمؤسسات الحقوقية الدولية وخصوصًا المتعلقة بملف العدالة الدولية بعدما كانت هذه القضية قد تلاشت على قائمة الاهتمام.
وسائل إبداعية
ويقول حبيب لـ"فلسطين"، إن المسيرات أعادت تفعيل طرق ووسائل إبداعية جديدة في مواجهته للاحتلال الإسرائيلي، كما هو الحال في استخدام البالونات والطائرات الورقية والتي وضعت الاحتلال في حالة استنزاف واستنفار واضحين.
وأشار إلى أن من مكاسب مسيرات العودة ونتائجها الإيجابية، تعديلها لميزان القوى "المعنوي" بين الشعب الفلسطيني بغزة والاحتلال، حيث كانت معنويات المشاركين في المسيرة "متألقة"، بينما كانت معنويات جيش الاحتلال و"المستوى السياسي" في "الحضيض".
ويبين أنها حققت حالة نهوض وطني وشعبي وقدمت مثالًا عمليًا على أن الشعب الفلسطيني ما زال يملك الخيارات والبدائل وإرادة العمل والمقاومة وأن بإمكانه دوما تنويع وسائل النضال والمقاومة بما يتلاءم وطبيعة كل مرحلة واحتياجاتها.
وذكر حبيب أن مسيرة العودة وضعت الفصائل الفلسطينية أمام استحقاقات العودة للوحدة الوطنية، وأن الشعب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن تضحياته لا بد أن تكون له قيادة موحدة تعمل على إنهاء الاحتلال.