شجرة الجميز من معالم القرى المهمة في فلسطين، فلا تكاد تخلو مدينة أو قرية إلى وقتنا هذا من شجرة جميز كبيرة، فبها يُعرف المكان إذ تعد منارةَ الاهتداء والوصول إلى القرى والبلدات المختلفة.
وعادةً كان يزرعها أجدادنا خارج البلدة وعلى أطراف حدودها مع القرى المجاورة حيث يستظل بها الرعاة في وقت الظهيرة هربًا من وهج وحر الشمس الحارقة، وتفاخروا بأشجارها حين رافقتهم في أسمائهم فقالوا: "جميزة أبو فلان"، فهي بذلك تمثل تاريخًا وحضارة شعبٍ متمسك بأصله.
يُقال إن لشجرة الجميز قدسية خاصة لدى الاحتلال الإسرائيلي الذي سعى إلى احتلال فلسطين بسببها، لذا بحثت صحيفة "فلسطين" عن تأكيد أو نفي لهذه المقولة، لتنقل الحقيقة إلى القراء.
تسويق كاذب
يعود أصل شجرة الجميز إلى "بلاد النوبة"، وهي بلاد السودان بمسماها القديم، ونقلها أجدادنا قبل آلاف السنين إلى فلسطين، لتشهد على عروبة أراضينا المحتلة وتؤكدها، فقد كانت هذه الشجرة أحد الأسباب التي دعت الحركة الصهيونية العالمية لاحتلال فلسطين، فقد سوقوا فكرة أن هذه أرض اللبن والعسل، وأن فيها شجرة تثمر سبعَ مراتٍ في العام، وما كانت هذه إلا حججًا باطلة لتمرير احتلال فلسطين.
المؤرخ الفلسطيني د. غسان وشاح رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية نفى أن تكون هناك أي قدسية لشجرة الجميز عند اليهود، مؤكدًا أن هذه الفكرة عارية من الصحة؛ فقد كانت فقط غطاءً لاحتلال فلسطين.
واستدل على ذلك بأن الاحتلال الإسرائيلي حارب الغطاء النباتي عام 1948م، بتجريف وقلع آلاف الأشجار، ومنها شجرة الجميز؛ "فهم لا يريدون أي دليل يثبت وجود الفلسطينيين على هذه الأرض"، على وفق قوله.
د. وشاح قال لـ"فلسطين": "إن شجرة الجميز مقدسة عند النصارى والمسيحيين؛ فقد ورد ذكرها عدةَ مراتٍ في الإصحاحين الثامن عشر والتاسع عشر في إنجيل لوقا"، مشيرًا إلى ما ورد عن المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في كتابه "غزة والمسيح عام 1943م": "إن العائلة المقدسة استظلت في أثناء رحلتها إلى مصر تحت ثلاث شجرات جميز، إحداهن في أريحا بجوار الكنيسة الروسية، يبلغ عمرها نحو ألفي عام، وهي لا تزال موجودة حتى الآن".
وشجرة الجميز كبيرة الحجم وتعمر مئات السنين، وتحمل ثمارها بعد ثلاث سنوات من زراعتها، وثمرها لذيذ الطعم ويميل لونه إلى الأحمر عند النضج،ولا يوجد له بذور كالعنب، ويتساقط على الأرض عادة عند اكتمال نضجه، ويكون غذاءً للماشية من أغنام وخراف، وتبقى تكبر ويتضخم ساقها وفروعها وأغصانها، فيقطعونها ويستغلون أخشابها في صناعة المراكب ومستلزمات أخرى؛ فأخشابها خفيفة وقوية.
زراعة الصحاري
والباحث فايز أبو ميري (رحمه الله) من سكان دير البلح وسط قطاع غزة أمضى جُل حياته في البحث عن أسرار وفوائد شجرة الجميز، وسعى إلى تقديم مشاريع متعددة لدول عربية، مثل: ليبيا ومصر والجزائر والكويت، وغيرها من الدول، تقترح زراعة الصحاري بهذه الشجرة، التي لا تعتمد كثيرًا على الماء وتعطي ثمارها سبعَ مرات في العام.
"فلسطين" تواصلت مع زوجة الباحث أبو ميري لتعرف أكثر لمَ كان مهتمًّا بشجرة الجميز، فقالت: "تلقى فايز (رحمه الله) ترحابًا واسعًا من عدة جهات مختلفة على المستويين الداخلي والخارجي، والتقى شخصيات سياسية ووطنية بارزة، فيما يتعلق بعروض مشاريعه المقدمة للدول العربية".
واستدركت أم خالد في حديثها إلى "فلسطين": "لكن عقبات وقفت أمام تنفيذ المشروع، فهو لا يملك بطاقة هوية، ويفتقد جهة داعمة ومساندة لينسق معها هذا المشروع الحيوي"، مشيرة إلى أنه كان يرى أنه في حال تنفيذ المشروع سيكون له من الفائدة ما يعود بالخير على الأطراف كافة، ويدفع عجلة الاقتصاد العربي نحو الازدهار، ولكن وفاته حالت دون إكمال هذه الخطوات التي تسعى إلى تقديم هذه المشاريع للدول العربية والأجنبية على حدٍّ سواء.
تابعت: "ذهب إلى ألمانيا، وأخذ معه من ورق وثمار هذه الشجرة إلى اتحاد الصحة الألماني في فرانكفورت، وتوصل إلى أن ثمرة الجميز تتوافر فيها العديد من العناصر الغذائية، لاحتوائها على مادة الزنك التي تساعد على تقوية الجهاز المناعي للإنسان، ولديها القدرة على معالجة فقدان الشهية والتئام الجروح".
وأن لبنها –على وفق ما أفادت- الذي ينزف منها عند قطع ثمارها وأوراقها مفيد لعلاج مرض القوبة، وأيضًا لعلاج مرض البهاق، ويفيد أكل ثمارها كثيرًا في علاج الإمساك، وأوراقها مفيدة كثيرًا للحيوانات والماشية.
وشجرة الجميز مكان للهو الأولاد، يتسلقون أغصانها ويأكلون ثمارها ويقضون أوقاتهم في اللعب والتريض بجوارها، وهي من أكثر الأشجار إنتاجًا، فهي تطرح ثمارها سبع مرات في العام، وأحد أنواعها يسمى البوطي، وهو كبير الحجم وقاسٍ نوعًا ما، وطعمه غير مستساغ، ولكنه أفضل طعام للماشية، وأما البلمى فكان يقدم للضيوف أيام ما قبل الهجرة في أطباقٍ من الخزف أو الزجاج، لذا أصبح الناس يزرعون شجرة الجميز أمام بيوتهم لتذكرهم دومًا بأراضيهم وقراهم الفلسطينية المهجرين منها.