فلسطين أون لاين

هل تفقد شهيتك الاجتماعية وتفضل الانعزال؟

...
صورة تعبيرية
غزة - مريم الشوبكي

أن يفقد الإنسان شهيته عن الطعام والشراب أيامًا فذلك أمرٌ وارد، لكن ماذا عن فقدان الشخص شهيته الاجتماعية، وظهور عليه أعراض الانطوائية والعزلة والبعد عن الاختلاط بالمجتمع والتفاعل مع أفراده، وتفضيل الوحدة على الجماعة؟

فقدان الشهية الاجتماعية يصاب به الإنسان لأسبابٍ عدة، منها ما يعود إلى جذور التنشئة في الطفولة، وإما بسبب تجارب سلبية أو صدماتٍ تلقاها في حياته، وأخيرًا أصبح إدمان التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي يدعو المرء للتواصل من وراء الشاشة ويفضل الانعزال.

طفولتي

"دالية" آخر العنقود لأسرةٍ عدد أفرادها (10)، أخواتها اللاتي يكبرنها كل واحدة كانت تدلو بدلوها في تربيتها، ومن الخوف الزائد عليها كان من غير المسموح لها باللعب خارج البيت، فتمضي يومها بين ألعابها ودلال أخواتها.

تحدثت "دالية" إلى "فلسطين": "كبرت معي وحدتي حتى درست في المدرسة والجامعة، كنت خجولةً جدًّا، ولم أكون صداقات، حتى إنه لم يسمح والدي لي بزيارة أي صديقة، وهذا الأمر سبب لي صعوبة في التواصل مع زميلاتي، وخجلًا في تبادل الحديث معهن".

وتابعت: "حتى في حياتي العادية غالبًا ما أفضل البقاء في البيت بعد انتهاء دوامي، ولا أحب الزيارات الاجتماعية أو المشاركة في المناسبات أو استقبال أي ضيوفٍ في البيت، وأحب الوحدة والعزلة عن الجميع، وتصفح مواقع التواصل الاجتماعي و(الإنترنت) دون أن أمِلَّ".

تجارب سلبية

أما عزة الهندي فعبرت عن رأيها في أن فقدان الشهية الاجتماعية يصيب الفرد بسبب تجاربه السلبية وصدمته ببعض الناس، لذا يفضل عدم التعامل مع الناس أو الحذر الشديد منهم، وهذا يجعله متقوقعًا حول نفسه ويرفض الاختلاط.

وأضافت الهندي لـ"فلسطين": "مررت بهذه الحالة التي جعلتني أفضل البقاء مع نفسي طوال الوقت، حتى أريح نفسي من مشاكل أخرى وصدمات أخرى، وكنت أشعر بالراحة، ولكن هذا الأمر جعل خبراتي في الحياة قليلة، وأصابني بالجهل في فهم نفسياتهم ومعادنهم، ولذا قررتُ الخروج من العزلة، والانتقائية في اختيار صديقاتي والمقربين مني".

وفي السياق نفسه بين الاختصاصي النفسي زهير ملاخة أن فقدان الشهية الاجتماعية هي ضعفٌ في التواصل الاجتماعي من الفرد تجاه الآخرين، ويعود ذلك إلى أسباب تنشئة الفرد، وهناك أسبابٌ لها علاقة بالخبرات السلبية: الصحبة السيئة مثلًا، أو تلقي صدمةٍ ما.

وذكر ملاخة لـ"فلسطين" أن عدم التفاعل الإيجابي بين الشخص والمجتمع يجعله ينطوي على نفسه ويفقد الشهية في العلاقات والتفاعل الاجتماعي، وأن الوضع الأسري والاقتصادي أيضًا يؤثر في درجة التفاعل، وبعض الإعاقات الجسدية تحد من الدافع نحو التواصل الاجتماعي.

وأشار إلى أن إصابة بعض الأفراد بآفاتٍ من قبيل الإدمان التكنولوجي، ومواقع التواصل الاجتماعي تدريجًا تعوده الانطواء على الذات، إذ تكون علاقته بالآخرين افتراضية من وراء الشاشة، وهذا يعزز التمركز حول الذات وخلق فجوة مع المجتمع الحقيقي.

وذكر ملاخة أن أعراض فقدان الشهية الاجتماعية أخطرها فقدان الإنسان أصالته الاجتماعية، والانحراف عن الفطرة الإنسانية، ليضحى الاهتمام بذاته غالبًا على تفكيره، وينعدم تقريبًا أثره في المجتمع، فضلًا عن الاغتراب عن نفسه، وفقدان الإبداع والنشاط، والمرور بمزيد من الصدمات والمشاكل النفسية، فيصاب بالاكتئاب، وبعض الأمراض الجسدية.

ولفت إلى أنه في بعض الحالات _خاصة عند الأطفال_ من الممكن أن يكون الهوس بالتكنولوجيا وإدمانها مدخلًا لبعض الاضطرابات النفسية في الشخصية.

وفيما يتعلق بالحل الأمثل لتجاوز فقدان الشهية الاجتماعية نصح ملاخة باستبصار الشخص دوره في هذه الحياة، فلا ينعزل مع كتاب أو شاشة الجوال، فقيمته تتمثل بوجوده داخل الجماعة، وإنجازاته وأثره ومشاركته في تطوير وبناء هذه الحياة، ولابد أن يتعود التفكير الإيجابي والتفاعل، والاحتكاك بالإيجابين الذين يكونون مصدرًا للأمل والمثابرة، والاستعانة بالآخرين، وتعود العمل الجماعي.