من منا لا يمتلك عيوبًا؟ بالتأكيد لا وجود لبشري كامل على هذه البسيطة، بسبب حقيقة نعلمها جميعًا أن الكمال لله وحده، فالبشر جميعًا سواء كانوا ذكورًا أم إناثًا لديهم من العيوب ما يعرفون وما لا يدركون، ورحم الله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يقول: (رحم الله امرءًا أهدى إلي عيوبي).
ومن غير المنطق أو العدل أن ينشغل امرؤ في عيوب غيره، دون أن يسعى إلى إصلاح عيوبه، أو حتى استكشافها كخطوة أولى قبل إصلاحها، ويقول د. طارق الحبيب الطبيب النفسي السعودي: "إن أحسنت إدارة عيوبك ستنجح في إدارة عيوب الطرف الآخر"، وهذا ما يمكن إسقاطه على الحياة الزوجية، فثمة مفهوم ثقافي يسود الرجل أن من حقه أن يحظى بامرأة كاملة المواصفات الجسدية التي يجعلها كـ"مودل مشهورة"، أو الكثير من الصفات والأطباع الحميدة، رغم أنه لا يمتلك من هذه الصفات والأطباع إلا القليل، أو دون السعي للاتصاف بهذه الصفات.
تتحدث مريم (اسم مستعار) وهي متزوجة منذ 6 سنوات، عن انشغال زوجها بمراقبة عيوبها والطلب منها إصلاحها، رغم صبرها على عيوبه التي لا تطاق والتي تجعله غير سوي بنظرها.
تقول مريم لـ"فلسطين": "إن حديث زوجي عن عيوبي لا يندرج في الإطار العام الهادف إلى الإصلاح والتقويم، بل إلى الانتقاص من قيمتي كفتاةٍ وزوجة وربة منزل، وكثيرًا ما يطلب مني التشبه بفنانات أو مغنيات واتهامي بأنني لا أملك الكثير من مواصفاتهن".
وأضافت: "إنه (زوجها) يعلم تمامًا أن ما يتصف به أولئك، هو نتاج عمليات تجميل كثيرة دُفع عليها ملايين الدولارات، ولكنه يستمر بإظهار المفارقات بيني وبينهن من أجل إشعاري بالنقص الدائم، غير مقدرٍ الهموم النفسية والبدنية التي تجنيها الزوجة بسبب انشغالها الدائم بتربية أبنائها وإسعاد زوجها على حساب حياتها الخاصة".
وأوضحت مريم أن زوجها لا يمتلك من المشاعر شيئًا التي تتكفل بدفع الزوجة للظهور بأفضل ما لديها أمام زوجها، كما أنه يبخل عليها في كثير من أمور الحياة، فضلًا عن الكثير من العيوب التي لا تفضل ذكرها حرصًا على صيانة الحياة الزوجية، وتساءلت: "لماذا لا يصلح عيوبه بالبداية قبل أن ينظر لعيوب الآخرين؟".
الشاب عاهد النجار (23 عامًا) وهو طالب جامعي ومتزوج منذ عامين، يرى أن خطورة الظاهرة لا تقف عند مستوى انشغال الزوج بعيوب زوجته وعدم الالتفات إلى عيوبه، إنما محادثة أهله وأصدقائه عن عيوب زوجته من قبيل الاشتكاء، مشيرًا إلى أن هذا الفعل ينم عن "جهلٍ وعدم رجولة".
وقال النجار لـ"فلسطين": "لا يوجد أنثى مكتملة المواصفات وخالية من العيوب، فكل واحدة لديها مميزات وعيوب خاصة بها، وليس من الشهامة أن يتغاضى الزوج عن مميزات زوجته وأن تكون عيوبها ما يشغل حديثه، وهذا ما يعتبر جزءًا من الأسرار الزوجية التي يجب أن يحافظ عليها الطرفان بعيدًا عن أي طرف خارجي".
واعتبر أن محاولة إصلاح عيوب الزوجة "هو أمر مقبول إن كان بالتفاهم والحوار والإقناع وتقديم التسهيلات، لا من خلال الاستهزاء والتهديد، ولكن يجب أن يسبق ذلك أن ينظر الزوج إلى نفسه أولًا، ويرى موقعه من هذه العيوب التي يحاول إصلاحها في زوجته، فإن كان يتسم بها فعليه البدء بنفسه من أجل تشجيع زوجته على التخلي عن هذه العيوب".
منطق التفكير
ويرد أستاذ علم النفس الاجتماعي د. درداح الشاعر، هذا التفكير، إلى منطق إيجابية الفكر وسلبيته عند الإنسان، وقال لـ"فلسطين": "هناك من لا يرون في الأشياء إلا ما هو سيئ، وفي التفكير إلا ما هو سلبي، وهناك من ينظر للجزء الممتلئ من الكوب، وهذا يدلل على طريقة تفكير الشخص، فإن عاش تجربة مريرة ينظر للعيوب، وإن عاش تجارب حسنة ينظر للمميزات والمحاسن".
وأوضح أن الزوج الذي لا يرى إلا المساوئ في سلوك زوجته هو من الصنف الأول الذي لا يرى إلا العيوب، وهذا بحاجة إلى إعادة النظر في سلوكه وطريقة تفكيره والإقبال على الحياة بشكل آخر.
وبيّن الشاعر أن السلبيات التي يراها الزوج في زوجته، يمكن معالجتها من خلال اتباع أسلوب يقوم على المعاملة الحسنة والحوار والتفاهم، وطرد هذه العيوب من شخصية الزوج أولًا وقبل أي شيء، إضافة إلى عمل الزوجة ذاتها على الظهور بأفضل حلة ومظهر لزوجها.
ومن ناحيةٍ أخرى، استغرب أستاذ علم النفس الاجتماعي من عقد المقارنة بين الزوجة والمشاهير من النساء مثل المغنيات والممثلات، واعتبار أن عدم اتصاف الزوجات بصفات المشاهير هو من العيوب، وقال: "المعروف أن النساء المشهورات يقمن بإجراءات ويدفعن مبالغ مالية كبيرة من أجل الظهور إلى العامة بصورة تفوق طبيعتهن، كما أنه لا يمكن مقارنة الزوجة وربة المنزل بتلك النسوة اللواتي يقضين ساعات طويلة من أجل المحافظة على مشهدهن الذي يعتبر رأس مالهن".
وأضاف الشاعر: "الذين لا يتمسكون بفضيلة غض البصر لا يعقدون هذه المقارنات، لأن غض البصر يخلق القناعة، والتلفت للأخريات هو معصية تقود إلى الرذيلة، وبهذا يرتكب الزوج خطيئة بحق نفسه وبحق زوجته وأبنائه وحياته الزوجية".