على أنقاض مؤسسة سعيد المسحال الثقافية بمدينة غزة، التي دمّرتها طائرات الاحتلال الحربي الإسرائيلي، مساء أمس، توزّع أعضاء فرقة فنيّة فلسطينية بطريقة عشوائية، وبدأوا بترديد كلمات قصيدة "موطني".
فبعد أن كانت تلك الفرقة تتخذ من المسرح، داخل مؤسسة "المسحال" مركزاً لأنشطتها الفنية، قدّمت عرضها اليوم على ركام تلك المؤسسة.
وبدا على أعضاء الفرقة والأطفال الذين أنصتوا لكلمات الأنشودة ورددّوها بصوت خافت، الحزن الشديد، بعد أن دمرت طائرات الاحتلال المكان الذي قالوا إنه كان "يشيع الفرحة بينهم".
اغتيال للفرحة
الطفلة سارة الشرفا (11 عاماً)، تعتقد أنه من الصعب أن تجد مكاناً آخر يبعث الفرحة في قلبها، بعد تدمير مؤسسة "المسحال".
وتقول الشرفا، إنها "اعتادت على حضور حفلات المؤسسة "، كما أنها "تستمتع بالعروض الفنية والأناشيد التي كان يتم عرضها على مسرح المسحال".
وبالقرب منها تقف منّة الشرفا (12 عاماً)، وتقول ، إنها حزينة على هذا الدمار الذي لحق بالمؤسسة.
وتقول إن غزة بأطفالها وشبّانها سيستمرون في بث الفرحة والفنون على أنقاضها وركامها .
وأضافت:" القصف لن يوقف طموح الأطفال والشباب في الإبداع".
وبعد أن بدت علامات الاستغراب على الطفلة الشرفا تساءلت "ما ذنب هذه المؤسسة كيف تقصفها طائرات الاحتلال؟".
تحطيم للطموح
تسود حالة من الصدمة الكبيرة لدى الأطفال الذين يرتبطون بأنشطة فنية داخل مؤسسة المسحال الثقافية، بعد تدميرها بشكل كامل.
محمد عبيد، منسق فرقة العنقاء للفنون (فرقة فلكلور فلسطيني تأسست عام 2005)، يقول:" إن مقرنا كان بين جدران المسحال، واليوم فقدنا بيتنا الأول".
وتعمل فرقة "العنقاء" على تدريب 25 شاب وشابة في قطاع غزة على أداء "الدبكة الشعبية الفلسطينية"، بحسب عبيد.
كما تعلّم الفرقة، وفق عبيد، أكثر من 300 طفل تتراوح أعمارهم بين (6-15 عاماً) على ممارسة فن الدبكة الفلوكلورية.
واليوم فقد كل هؤلاء الأطفال فرصة تعلّمهم للدبكة داخل مؤسسة المسحال، كما قال.
وتابع:" المساحة الوحيدة لأطفال غزة لتعلم الدبكة وهو هذا المكان الذي أحالته طائرات الاحتلال إلى ركام".
وأشار عبيد إلى أن فرقة العنقاء "من أولى الفرق بغزة التي تأسست لتعليم الأطفال على أداء فن الدبكة، في مؤسسة المسحال".
واعتبر عبيد تدمير مؤسسة المسحال الثقافية "تدمير لطموح الأطفال والشبان في قطاع غزة".
وطالب عبيد العالم بالتحرك السريع لـ"محاكمة( إسرائيل) على جرائمها بحق الشعب والثقافة الفلسطينية".
ودعا المجتمع العربي والغربي لـ"دعم المجالات الثقافية بغزة والمساهمة لإعادة إعمار مؤسسة المسحال".
دمار لحق المنازل
وألحق القصف الذي تعرّضت له مؤسسة المسحال بمدينة غزة الضرر بعشرات المنازل والمحال التجارية، المحيطة بها.
ويقول أنور حشيشة، صاحب أحد المنازل داخل عمارة سكنية (مكونة من 5 طوابق) تابعة لعائلته:" مساء أمس، تلقّت زوجة شقيقي (الذي يسكن في نفس العمارة) اتصالاً من مخابرات الاحتلال أبلغوها بضرورة إفراغ المنزل، لأن المسحال سيتعرض للقصف".
لم تصدق العائلة في البداية ذلك التحذير، واعتقدوا بأنه مجرد مزحة من أحد المعارف.
لكن إطلاق صواريخ "تحذيرية" من طائرة استطلاع للاحتلال، أشعر العائلة بالخوف الشديد، ما دفعهم لإفراغ المنزل على الفور.
ويقول حشيشة إن حالة من "الخوف والرعب انتشرت في المنطقة بعد ذلك التحذير".
ووصف قصف وتدمير مؤسسة المسحال الثقافية بالأمر "الجنوني" خاصة وأنها "مؤسسة مستقلة، تهتم بالشباب والثقافة، وغير مرتبطة بأحزاب وليس لها علاقة بالأمور العسكرية".
وبيّن أن القصف تسبب بأضرار جسيمة في العمارة السكنية، وفي بقية المنازل المجاورة للمؤسسة.
وتابع:" الزجاج تحطم، والأثاث الداخلي في المنازل".
واستنكر حشيشة قصف المناطق المدنية قائلاً "إن جيش الاحتلال لا يهمه منطقة سكنية أو غيرها، ولا يهتم بوجود الأطفال والنساء والعجزة".
ومساء أمس، عمّت حالة من الخوف في صفوف المواطنين خاصة الأطفال في المنطقة المحيطة بالمؤسسة.
وعلا صوت بكاء الأطفال بالتزامن مع قصف المؤسسة خوفاً من أصوات الانفجارات.
وأما المواطن أشرف حشيشو، فقال" ألحق القصف الدمار بمغسلة السيارات خاصته التي كانت تقع بالمقابل من مؤسسة المسحال".
ويقول، إن المغسلة تعرضّت للضرر الشديد بسبب القصف، ولا يمكن عودة العمل داخلها.
وفقد أكثر من 25-30 عاملاً في المغسلة عملهم بسبب ذلك القصف.
ويوضح حشيشة أن "كل واحد من هؤلاء العمّال يعتبر المعيل الوحيد لعائلته، لكنّه اليوم يفقد فرصة عمل بسبب القصف".
ووصف الوضع العام الذي تعرّض له المواطنون في محيط مؤسسة المسحال بـ"الصعب جداً".
بدورها، استنكرت وزارة الثقافة الفلسطينية في قطاع غزة تدمير مؤسسة المسحال الثقافية.
بدوره، أعلن اتحاد عام المراكز الثقافية بغزة عن اعتزامه إطلاق "حملة وطنية ودولية لإعادة إعمار مؤسسة المسحال".
وتضم مؤسسة المسحال الثقافية بين جدرانها مقار العديد من المجموعات الثقافية مثل مقريْ " الجالية المصرية، وفرقة العنقاء"، وغيرها.