جولة التصعيد الحالية قد تطول بعض الوقت، وقد تتطور إلى حرب صهيونية شاملة تستهدف قطاع غزة، وهذا الأمر قد يكون مستبعدًا بعض الشيء في الوقت الحالي, دون إغفال دموية الاحتلال وتعطشه لفرض السيطرة والهيمنة، ومحاولاته الدائمة لقمع كل عوامل القوة الفلسطينية وفي مقدمتها كسر المقاومة في قطاع غزة, وقد يُقدم على هذه الخطوة في حال اعتقد أن الأجواء مناسبة والأركان مكتملة لعدوانه على قطاع غزة, وهذه طبيعة العدو الصهيوني الذي يغلب عليها الغدر والمكر في طريقته لإنجاز أهداف كيانه الغاصب, ولكن في المقابل التجربة الطويلة والمنازلات الكثيرة, والمعارك التي لم تتوقف طوال تاريخ صراع شعبنا مع هذا الاحتلال الغاشم, تؤكد بأن شعبنا الفلسطيني لا يمكن كسره أو إيقاع الهزيمة به، فالمقاومة متجذرة في حياة هذا الشعب كخيار لمواجهة الاحتلال وعدم الاستسلام لإرادته أو الخضوع لبطشه وإرهابه.
تأتي هذه الجولة من التصعيد والعدوان الصهيوني على قطاع غزة، في ظل أجواء الحديث عن تفاهمات للتهدئة وكسر الحصار, ولعل بطولات شعبنا في مسيرات العودة وكسر الحصار, والتي أرسلت رسالة واضحة بأن شعبنا لا يقبل الموت تحت الحصار وأن العودة إلى دياره أقرب من أي اتجاه آخر يمكن أن يُجبر الفلسطيني أن يسلكه، ولعل مسيرات العودة ساهمت بتسريع طرح هذه المبادرات الدولية والتدخل المصري تحت عنوان إنقاذ الوضع الإنساني في قطاع غزة, والذي يتسبب به الحصار الصهيوني الظالم، فإذا كان السبب معلومًا وواضحًا لحالة التدهور في الأوضاع الحياتية في قطاع غزة, فإن الحل والعلاج الفوري يكون برفع هذا الحصار بلا تأخير وهذا هو مطلب شعبنا ومقاومته.
القصف الذي استهدف موقع للتدريب لكتائب القسام في شمال قطاع غزة بتاريخ (7-8)، وأدي إلى استشهاد المجاهدان أحمد مرجان وعبد الحافظ السيلاوي، كان مادة تفاوضية صهيونية بالنار واعتراف الاحتلال بالخطأ لا تعفيه من تلقي الجواب ضمن قاعدة القصف بالقصف, التي رسختها المقاومة في التعامل الميداني مع الاحتلال، وفد حماس الخارج الذي غادر قطاع غزة ويحمل رؤيتها لمعاجلة الوضع الإنساني في قطاع غزة، يعلم جيدًا أنه أمام طريق صعبة محاطة بالألغام التفاوضية وتعقيدات المشهد الفلسطيني العام وأولوياته، فالحفاظ على ما أنجز كمشروع للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بات مطلبًا شعبيًا، وعدم السماح بزعزعة الثقة بالمقاومة كأداء واعٍ ومتيقظ، والابتعاد عن المس بمساحات الوعي والثقافة الفلسطينية العامة, التي تشكل المقاومة المساحة الأغلب فيها، على اعتبار أننا شعب يرزح تحت الاحتلال ويطمح للحرية والاستقلال، لذا كان الرد على جرائم الاحتلال ضرورة وطنية ومصلحة فلسطينية عامة، لعدم تآكل قاعدة الردع في حسابات المواجهة ضد العدو.
في ظل الدفع الأمريكي بقوة نحو تطبيق صفقة القرن, وتجلى ذلك باستهداف قضية اللاجئين عبر محاولات إنهاء وتصفية وكالة "أونروا" وما سبقه من إعلان القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني, وإطلاق قانون القومية اليهودية، وهذا يتطلب انتفاضة فلسطينية عارمة على امتداد أرض فلسطين التاريخية, ولن يتحقق ذلك الا بمصالحة فلسطينية شاملة, تقوم على قاعدة الشراكة الوطنية وحفظ الحقوق الوطنية, وإعلاء شعار مقاومة الاحتلال ضمن مشروع التحرري الوطني ذي القيادة الفلسطينية الوطنية الواحدة.