فلسطين أون لاين

​"عرّابو التطبيع".. "هجوم" على غزة و"استجداء" في الضفة

...
رام الله / غزة - نبيل سنونو

"أنا عايش تحت البساطير الإسرائيلية"؛ قالها رئيس السلطة محمود عباس يومًا، لكنه لم يجد حرجًا في وصف التنسيق الأمني مع (إسرائيل) بـ"المقدس"، والتأكيد علنا أنه "ضد المقاومة"، بينما يستشري الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة، التي يقر الرجل الثمانيني بأنه لا سلطة له فيها، وفي المقابل يكشر عن "أنيابه" تجاه قطاع غزة، فارضًا عليه إجراءات عقابية، تترافق مع الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 12 سنة.

وعباس الذي يوصف بـ"مهندس" اتفاق أسلو الموقع سنة 1993، سبق أن تنازل عن حقه بالعيش في مدينته التي هجر منها صفد المحتلة، وعمليا يعترف كما السلطة ومنظمة التحرير بـ(إسرائيل)، ما يعني التنازل عن نحو 78% من أرض فلسطين التاريخية.

وفضلًا عن ذلك، عقد عباس مجلسا انفصاليا في رام الله المحتلة، دون توافق وطني، في 30 أبريل/ نيسان الماضي.

وتواجه السلطة، التي يصف مراقبون مسؤوليها بأنهم "عرّابون للتطبيع" لأسباب عدة منها لقاءاتهم مع نظرائهم في كيان الاحتلال، اتهامات بمحاولة إحباط أي محاولة لكسر الحصار عن قطاع غزة، بمزاعم أنها ترمي إلى "انفصاله"، رغم أن المراقبين يقولون: إن ما يدفع بهذا الاتجاه هو العقوبات المفروضة على مليوني غزي.

وفي لقاء مع قادة الفصائل في قطاع، الأحد الماضي، شدد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ورئيس مكتب العلاقات الوطنية فيها، حسام بدران، على أنه لا دولة في غزة، وأن فلسطين هي من البحر إلى النهر، قائلا في الوقت نفسه: "لدينا هدف استراتيجي الآن، أن الحصار الذي استمر أكثر من 11 عامًا يجب أن يتوقف، ودون التنازل عن الثوابت".

كما أكد بدران، أنه لن يكون هناك أي ترتيب سياسي أو إداري في قطاع غزة بمعزل عن التوافق الوطني.

لكن المحلل السياسي مصطفى الصواف، يرى أن رد حركة "فتح" هو من أجل المناكفة وتسجيل المواقف، مبينًا أنها "لا تريد لأحد أن يتصرف بما يخدم مصالح الشعب بل أن يأتي الجميع إليها ليتحرك وفق الرؤية التي يراها عباس".

ويوضح الصواف، في حديث مع صحيفة "فلسطين" أنه عندما تقول حماس إنه لا دولة في غزة ولن تكون هناك دولة بدون غزة، فهذه هي الحقيقة والواقع الذي يمارس على الأرض وتثبته الوقائع، واصفا موقف فتح بأنه "ضعيف ومناكف".

وكان بدران جدد موقف حماس بالتزامها بكل ما تم التوقيع عليه في الحوارات الفلسطينية السابقة عام 2011، وما جرى في 2014، وتفاهمات بيروت بشأن المجلس الوطني في يناير 2017، لكن المتحدث باسم فتح أسامة القواسمي، اختار مهاجمة حماس في تصريحات صحفية، وكذا الحال بالنسبة لعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير أحمد مجدلاني.

وعن هذا "الهجوم" مقابل عدم اتخاذ إجراءات عملية في الضفة ضد الاستيطان والاحتلال وحالة "الاستجداء" التي تبدو بها السلطة هناك، يقول الصواف، إن "التعاون الأمني الدائر بين السلطة والاحتلال يجعلها جزءا مهما منه، فكيف يمكن لها أن تقاوم نفسها؟ لذلك الضفة مستباحة من قبل الاحتلال، بمعنى أنه يتحكم بكل شيء بالنسبة لحركة أهالي الضفة، وفي الوقت نفسه تقول إنها تريد (ما تسميه) تمكينا في غزة فهل تمكنت هي في الضفة؟ هل يستطيع أحد أن يخرج من الضفة بدون إذن الاحتلال؟".

ويتساءل: "هل يقبل أن يستباح القطاع كما هي الضفة الغربية مستباحة (من قبل الاحتلال)؟".

التقدم باتجاه المصالحة

من جهته، قال المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو: إن دولة الاحتلال هي صاحبة المصلحة الأولى في فصل قطاع غزة وأن العقوبات المستمرة من قبل السلطة تدعم هذا التوجه الإسرائيلي، فهي أدت إلى "حالة مأساوية" في القطاع، وفق تعبيره.

ويوضح سويرجو، لصحيفة "فلسطين"، أنه إذا أرادت السلطة للمشروع الوطني أن ينجح عليها أن تتقدم خطوتين باتجاه المصالحة والاعتراف بحق الكل الوطني الفلسطيني في الشراكة، وأن السلطة ليست إرثًا سياسيًّا لأحد بل ملك للشعب الفلسطيني الذي هو صاحب السلطة الأولى والأخيرة.

ويقول: إن السلطة تحاول بكل الطرق "إخضاع" القطاع، مستغلة حالة الحصار "من كل الجوانب" والعقوبات المفروضة عليه، مبينًا أن السلطة تعتبر منظمة التحرير والسلطة "إرثًا" لها وهذا هو الدافع الرئيس لها وليس إنقاذ الحالة الفلسطينية، ومنع ما يسمى "انفصال قطاع غزة".

ويدلل سويرجو بأن السلطة مستمرة بالتنسيق الأمني وتضرب بعرض الحائط كل قرارات المجلس المركزي التي وضعت الأساس لسياسة جديدة للسلطة في التعامل مع الاحتلال، مشيرًا إلى أن كل ذلك يوحي بأن السلطة ليس لديها أي هم الآن إلا سيطرة "الجوقة" التي تحيط بعباس على القطاع، "وهم مجموعة كبيرة من أصحاب المصالح".

ويقول: إن هؤلاء ينظرون إلى قطاع غزة على أنه "بقرة حلوب"؛ وفق وصفه، ويعملون على السيطرة عليه تحت شعارات "الحفاظ على المشروع الوطني"، ولكن ممارستهم على الأرض داخليا وخارجيا تخلو من أي فعل ومواقف حاسمة ورادعة لدولة الاحتلال، "بل نرى نوعا من الصمت" يشي بأن هناك مشاركة في ما تسمى "صفقة القرن"؛ على حد قوله.

ويتمّم المحلل السياسي بالتشديد على أن كل فصائل المقاومة ليس لديها مشروع سوى مشروع تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ولا يوجد أي فصيل يقبل بما يسمى "فصل قطاع غزة".