فلسطين أون لاين

​شهر بلا سوشيال ميديا.. قدّ التحدي؟

...
صورة أرشيفية
غزة / أسماء صرصور:

مواقع التواصل الاجتماعي تحتل وقتًا كبيرًا من تعاملاتنا اليومية، حتى أنه في البيت الواحد أصبح التواصل بين أفراد العائلة عبرها أسرع من التواصل على أرض الواقع!

في بريطانيا أطلقت الجمعية الملكية للصحة العامة حملة تدعو الأشخاص إلى التخلي عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو تقليله في إطار حملة "سبتمبر بلا تصفح"، وتدعو الحملة للتفكير فيما ينقص الناس عندما يعطون الأولوية لحياتهم الرقمية.

"فلسطين" أجرت استطلاعًا للرأي لأشخاص يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة لانشغالات تتعلق بمهام أعمالهم، وسألتهم إن كانوا قادرين على أن يكونوا "قد التحدي" والابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي مدة من الزمن، والتفاصيل تتبع:

وقت الفراغ سبب

رئيس نادي الإعلام الاجتماعي في فلسطين علي بخيت، يقول: "أحاول الابتعاد عن مواقع التواصل الاجتماعي قدر المستطاع لكن طبيعة عملي لا تسمح لي بالابتعاد المتواصل عنها لعدة أيام مثلا".

ويلفت بخيت لـ "فلسطين" إلى أنه حاول إسناد مهامه العملية المتعلقة بمواقع التواصل الاجتماعي إلى من يساعده فيها ليكون قادرًا على تجربة الابتعاد الكامل، غير أن زملاءه لم يحبذوا ابتعاده لخبرته وحاجتهم إليه في كثير من مفاصل العمل المهمة.

لذا لجأ – حسب قوله – إلى محاولة الاعتدال في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فإن كان في مكتبه في العمل يقلل احتكاكه بها قدر المستطاع، وعندما يعود إلى المنزل يتفرغ لقضاء الوقت مع عائلته.

ويشير بخيت إلى أن الوضع الذي يعيشه قطاع غزة من حصار وقلة رواتب وبطالة تدفع الشباب دفعًا لقضاء أوقاتهم فقط أمام وسائل التواصل الاجتماعي، مبينًا أن من يملك شيئًا يملأ وقته يكون أقدر على تنظيم جلوسه عليها وعدم الوقوع في فخ الإدمان.

الصحفية آية اسليم تشير إلى أنها في بعض الأحيان عند تعرضها لضغط في العمل تشعر أنها دخلت مرحلة الإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي، فتسعى لتنظيم وقتها من خلال تقسيم أعمالها ومهامها وكل التزاماتها وتحدد وقتًا لمتابعة حساباتها الشخصية بما لا يتعارض مع ما عليها من واجبات.

وبالعودة إلى ما تريده الجمعية الملكية البريطانية فهي تسعى لأن يستغل الأشخاص ذلك الشهر "لبناء علاقة صحية أكثر توازنا مع وسائل مواقع الاجتماعي" والتأمل فيما فاتهم وما لم يفتهم وماذا يحتاجون فعله والاستمتاع بدلا من ذلك.

تقسيم المهام

بدوره، يقول المدون الفلسطيني مصطفى أبو زر: "كنت مدمنًا بشكل كبير قبل ثلاث سنوات تقريباً على وسائل التواصل الاجتماعي"، مشيرًا إلى أنه عندما أدرك إدمانه قبل ثلاث سنوات أصبح يقوم بالانقطاع ثلاثة شهور متواصلة سنوياً عن مواقع التواصل ما عدا الواتس آب لضرورة التواصل في الأمور المهمة.

ويشدد أبو زر لـ "فلسطين" أن إدراك أهمية المهام الأخرى وتنظيمها هو ما يساعد على تنظيم استخدام شبكات التواصل بحيث تصبح مثل أي نشاط يمكن القيام به في وقت الفراغ، متابعًا: "فإذا كان الإنسان غير منظم للمهام الأخرى في حياته أو لا يوجد لديه مهام أساساً فالأوقات كلها بالنسبة له وقت فراغ".

ويلفت إلى أن الامتناع التدريجي عن مواقع التواصل غير مجدٍ كثيراً ويمكن الانقطاع الكامل عنها لفترة محدودة ثم العودة لاستخدامها مرة أخرى وبالتالي عندما يعود الشخص لاستخدامها بعد فترة انقطاع يمكنه استخدامها بشكل رشيد، ويمكنه إعادة الكرة مرة أخرى كلما شعر بأنه دخل مرحلة الإدمان.

ويؤكد أن حجم ما يتم بثه ونشره على مواقع التواصل من كآبة وأفكار سلبية وإشاعات وكتابات تضر ولا تنفع كبير، منبهًا إلى أن الإنسان في غنى عمّا يؤثر سلباً على نفسيته.

الإعلامية دعاء الشريف تقول إنها لا تصف نفسها بالمدمنة وإنما أوقاتها مقسمة ما بين تصفح مواقع التواصل والعمل عليها وعملها الميداني وأمورها البيتية والشخصية، مشيرة إلى أنه قد تمر ساعات طويلة تمتد إلى أيام دون تصفح الإنترنت.

وتشير الشريف لـ "فلسطين" إلى أن الانشغال في مهام أخرى يساعد أي شخص في الابتعاد عن تصفح الإنترنت، منوهة إلى أنها مع التخفيف التدريجي للجلوس أمام هذه المواقع.

وتقول: "بتر مواقع التواصل مرة واحدة قد يؤثر على كثير من الناس وخصوصاً من لهم أعمال وكتابات وانشغالات متواصلة على هذه المواقع ومن لهم جمهور كبير وواسع فالأمر سيكون صعباً عليهم وربما سيؤثر على إنجازهم".

وتلفت الشريف إلى أنها شاهدت الكثير ممن تأثر بكثرة استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي يصابون بأزمات نفسية ومتاعب جسدية نتيجة البقاء لساعات طويلة أمامها، وبقائهم في دائرة واحدة مغلقة غير متجددة.

توازن واعتدال

الناشط في مجال الإعلام الاجتماعي طارق طبازة يصف إدمان وسائل التواصل الاجتماعي بأنه كمن ينقل حياته من الواقع ليعيشها بكل تفاصيلها في العالم الافتراضي متناسيًا حياته الاجتماعية والعلمية والعملية.

ويقول طبازة لـ "فلسطين": "أنا متواجد دائمًا على وسائل التواصل، لكن لا أصل لإلغاء حياتي العملية والأسرية من أجل هذا الفضاء الافتراضي"، مشيرًا إلى أنه يقدم كل أموره الحياتية على مواقع التواصل الاجتماعي بما لا يلغي وجوده عليها ولا يؤثر على حياته.

ويشير إلى أنه قبل ذهابه للعمل يتواجد على وسائل التواصل، وفي التنقل بين العمل والبيت وأي مشوار يتواجد على وسائل التواصل، وفي العمل يتواجد على وسائل التواصل في وقت الفراغ وعدم وجود ضغط وفي المساء كذلك يتواجد بما لا يضر الحياة الأسرية.

وفيما يتعلق بتخفيف استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، يرى طبازة أن تطبيق هذا المقترح صعب لأن استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي غلب عليه الاستخدام للتطورات السياسية بخلاف التواصل الاجتماعي فأصبح المواطن الغزي يرتبط بها ارتباط الواقع السياسي المتقلب والسريع واليومي.

ويضيف بسخرية: "يا ريت تزبط معنا ونخفف وننقطع عن هالتواصل لفترات محددة كنقاهة من أجواء السلم والحرب والأكاذيب السياسية والتحليلات الساذجة والإشاعات الكثيرة والنفاق الاجتماعي"، متوقعًا أن كثرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تخلق أزمات أسرية وتفككًا اجتماعيًا وترهلًا في العلاقات الاجتماعية.

الصحفي عز الدين الأخرس -مدير مكتب شبكة القدس الإخبارية في غزة- لا يرى نفسه مدمنًا، بل قادرًا على التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل المناسب الذي لا يؤثر على حياته الشخصية.

ويستدرك الأخرس لـ "فلسطين": "لكن معدل استخدامي لوسائل التواصل الاجتماعي كبير كونه يتعلق بجوهر عملي الصحفي وإدارة شبكة القدس الإخبارية التي تتطلب منه البقاء متصلا بالإنترنت طوال اليوم".

ويشدد على أن هذا دفعه ليس لتنظيم وقته على وسائل التواصل الاجتماعي إنما بإحداث توازن وربط بين وقته وحياته العائلية، "فمن الممكن أن يكون جالسًا مع عائلته ويتابع عمله عبر وسائل التواصل الاجتماعي بكل توازن".

وأما بخصوص الابتعاد الكامل عن وسائل التواصل الاجتماعي فيعتقد الأخرس أن هذا صعب في مجتمعنا كونها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية وتعزيز العلاقات الاجتماعية، وإن كان العمل بمبدأ تنظيم الوقت وإعطاء الوسائل وقتًا محددًا لها أفضل وأنسب للمجتمع.

خطر على صحة العقل

ولمن يعتبرون أن التوقف التام عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أمر شاق، قدمت حملة الجمعية البريطانية اقتراحات أخرى للحد من هذا العادة، منها أخذ قسط من الراحة من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في جميع المناسبات الاجتماعية، وعدم استخدام المنصات الاجتماعية بعد الساعة 6 مساء، وعدم متابعة الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي في المدرسة أو في العمل، بالإضافة إلى الامتناع عن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في غرفة النوم.

وفي الواقع الحملة البريطانية تسعى لوقف تدهور الصحة العقلية لدى الشباب إثر إدمانهم على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما يؤكد حدوثه رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب في مجمع الشفاء الطبي د. محمود أبو خاطر.

أبو خاطر يقول لـ "فلسطين": "إدمان وسائل التواصل الاجتماعي يسبب عدم الانتظام في النوم، والإرهاق، والعديد من الأمراض العصبية وأمراض العصر كالضغط والسكر، والإحباط"، مشيرًا إلى أن الإحباط الناتج عن وسائل التواصل الاجتماعي في الدول المتقدمة يؤدي إلى الانتحار غالبًا.

ويضيف: "استخدام الأجهزة الالكترونية الذكية الوسيلة الأساسية للولوج إلى وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر على المستخدم لها بزيادة فرصة نمو الأورام الدماغية، وتهيج الأعصاب".

ويشير إلى أن الإصابة بغضروف الرقبة لحدوث ضغط على فقرات الرقبة كون انحنائها يزيد ثقل المخ عليها، ناهيك عن تليّفات الأعصاب الطرفية، وضعف ي الرؤية ومشاكل في الأذن الوسطى.

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ هل تريد الحفاظ على صحتك العقلية بوقف استخدامك وسائل التواصل الاجتماعي أو تقليل استخدامها على الأقل؟