فلسطين أون لاين

​ياسمين نيروخ.. فتاة اقتحمت عالم التحكيم الرياضي

...
صورة أرشيفية لياسمين نيروخ (يمين)
غزة - هدى الدلو

هوايتها لتلك الساحرة المستديرة أغنتها عن شِجارها الشبه يومي مع أشقائها الشباب كما يحدث في الكثير من البيوت وخاصة في الأيام التي تبث فيها دوريات البطولات الأوروبية، حين يدخلون في تحدٍ للفريق الذي سيتوج بالفوز؛ رغم أن كرة القدم يرتبط مشجعوها وممارسوها بالذكور، ونادرًا ما نرى فتاة تهوى ذلك، بل على العكس دائمًا نجد شجارات في التحكم بالريموت الكونترول الخاص بالتلفاز بين الفتيات والشباب في البيت الواحد، ولكن "ياسمين" تختلف عن توجه الكثير من الفتيات نحو متابعة المسلسلات التركية والهندية، بل هي يمتد شغفها إلى متابعة المباريات، وبالأخص في مجال تحكيم المباراة، فلم تأبه لذكورية المجتمع والعادات والتقاليد المفروضة التي قد تمنع الفتاة من الوصول إلى طموحها، لتحاول تغيير قواعد اللعبة المجتمعية.

الشابة ياسمين نيروخ (28 عامًا) من محافظة الخليل، أنهت دراسة الصحافة والإعلام عام 2012، لتسلك طريقها نحو كرة القدم، وتتعلم قواعد التحكيم إلى أن أصبحت أول فتاة تحكم مباريات في محافظتها، والخامسة التي تم اعتمادها من قبل الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم.

هواية طفولية

لم يصبح توجهها بشكلٍ فجائي، بل منذ صغرها كانت ميولها في لعب كرة القدم مع أشقائها وأبناء عمها، مع أنها ليست الفتاة الوحيدة في عائلتها، ولكنها لم تجذبها يومًا ما ألعاب الفتيات، ولم تجد معارضة من قبل والديها لأن "الديمقراطية" تسود أجواء البيت.

كبرت نيروخ والتصقت بها هذه الهواية التي تعد إلى حد كبير ذكورية، فحاولت الالتحاق بالنوادي الرياضية لتنميتها وتطويرها، إلا أنها صدمت بسيف العادات والتقاليد المُسلَّط على رقاب الفتيات، خاصة أن مدينة الخليل تعتبر من المدن المحافظة.

ولكن عشقها للرياضة جعلها متمسكة بقرارها وهوايتها؛ وتصمم على قرارها بأن تفرض هي قواعدها وليس ما يملي عليها مجتمعها من قيود على الفتاة، فقبل سنوات عدة التحقت بفريق تابع لبيت لحم، وكان هدفها الأول من دخول النادي قبل أن يكون اللعب، وتعلم القوانين الرياضية.

تقول: "شخصية المحكم تحتاج إلى شخصية قوية، تعلمتُ متى استخدم الكرت الأصفر والأحمر، وكيف يتم حساب الأخطاء من خلال متابعتي الدائمة والمستمرة للدوريات العالمية على قناة الجزيرة مباشر، وتحدق بمقلتيها حركات الحكام الأوروبيين في جرأتهم ودقتهم.

عالم التحكيم

بدأت ياسمين تصعد السلم خطوةً خطوة، وتم الإعلان عن دورة للتحكيم في الخليل لأول مرة، وكان جميع المسجلين من فئة الشباب، فيما هي الفتاة الوحيدة بينهم، وبالرغم من ذلك لم يتسبب لها في أي إحراج، فقالت: "جذبني أسلوب المدرب، والمعلومات التي يطرحها، واستوعبت كل المعلومات المطروحة، فلم يكن من شيء مبهم أو صعب، بل على العكس كان يستغرب من تفاعلي واجابتي على كثير من أسئلته، تحداني ذات مرة بسؤالٍ طرحه، ووعدني بـــــــ 10 علامات في حال الإجابة، وتمكنت من كسب التحدي".

ومن شدة إعجاب المدرب بأسئلتها واستيعابها السريع للمعلومات المطروحة؛ وخاصة أنها الفتاة الوحيدة، أخبرها عن دورة خماسي في رام الله، ولم تعارض بل شاركت فيها، ولكنها لم تكن الوحيدة فهناك فتيات من مدن الضفة الأخرى، ونالت شهادة عضويتها في الاتحاد الفلسطيني، وكان ذلك البوابة لالتحاقها بالعديد من الدورات والتدريبات.

شيئًا فشيئًا بدأت تنخرط في مجال التحكيم والتحقت بفريق أرثذوكسي في بيت ساحور النسوي، واستطاعت أن تجد لها مكانًا في ذلك المكان مستطيل الشكل والمكتسي باللون الأخضر، ودخلت بمنافسة صقلت من شخصيتها وزادت معرفتها، فتدفق لها إحساس اللاعب وشعوره مما هيأها لمعرفة طريقة التعامل معه في حال الوقوع في خطأ؛ ومن ثم تم ترشيحها للسفر لسريلانكا لتمثيل فلسطين هناك، وسافرت لما يقارب أسبوعين وكان هناك بطولة لمنتخب فلسطين.

تنتقل بكل خفة ورشاقة في الملعب المعشب مرتدية زي الحكم والصفارة معلقة برقبتها وتتابع حركات اللاعبين بكل دقة، لتطلق العنان لصفارتها في حال ارتكب أحدهم خطأ، وفي أول تجربة لها في مباراة تحكيمية، فقد تم اختيارها لتكون عضوًا ضمن الطاقم التحكيمي في مباراة للشباب فشعروا بالصدمة كون فتاة هي من تحكم المباراة، ولكن بداخلها كانت متفائلة كونها أول تجربة لها نجحت دون الوقوع في أي خطأ أو عقبة.

وأوضحت ضيفتنا أن القوانين الرياضية ليست بالشيء الثابت، بل هي متغيرٌ ومتبدل حسب الظروف والمتغيرات، وبالتالي فإنها ترى أن التحكيم ليس سهلًا، بل يحتاج إلى مهارات شخصية تتمثل في محافظة المحكم على لياقته البدنية، ومعرفة مستجدات القوانين الرياضية والقرارات الجديدة.

وترى أن جمهور كرة القدم أصبح أكبر من السياسة، فقد أصبحت الرياضة قضية رأي عام، يمكن من خلالها إيصال رسالة للعالم، وإبراز القضية الفلسطينية على كل الأصعدة، وبالتالي لابد من استغلال هذه المنصة وتمثيل فلسطين أجمل تمثيل بتحقيق الفوز والأخلاق.

وتطمح نيروخ في إكمال الدراسات العليا في مجال الصحافة الرياضية، وتمثل فلسطين في الدول الخارجية سواء كان على مستوى عربي أو عالمي، وأن يكون للمرأة بصمة في عالم الرياضة، والاهتمام من قبل الجهات الرسمية بالرياضة النسوية وعدم إغفالها.