قائمة الموقع

مؤتمر باريس.. "قشّة" عباس الأخيرة

2017-01-15T06:35:42+02:00
صورة أرشيفية للرئيس محمود عباس

يبدو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، كمن يسعى إلى إحراز هدف في الوقت الضائع، من خلال مؤتمر باريس الذي ينعقد، اليوم الأحد، بمشاركة دولية وبرعاية الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في ظل التحديات المحدقة بمشروعه القائم على "التسوية"، وقرب تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب المعروف بدعمه للاحتلال والاستيطان، سدة الحكم في الولايات المتحدة.

ولم يُخفِ عباس الذي أقر خلال مؤتمر فتح السابع في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعدم حصول تقدم في التسوية منذ اتفاق "أوسلو"، أن مؤتمر باريس "قد يكون الفرصة الأخيرة" لتنفيذ ما يسمى "حل الدولتين"، وذلك في تصريحات نشرتها صحيفة "لو فيغارو"، أمس.

وبينما يسعى الرجل الثمانيني، الذي يتزعم حركة فتح أيضًا، إلى الحصول على تأييد دولي لإقامة دولة فلسطينية على ما يعرف بحدود 1967، فإن سلطات الاحتلال مستمرة على أرض الواقع في القضاء على حلم عباس في التسوية من خلال الاستيطان وممارساتها الرامية إلى منع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية.

ومن المعلوم أن مؤتمر باريس الذي يمثل "قشة" أخيرة يتعلق بها عباس لإنقاذ ما يسمى "حل الدولتين" عبر دعم دولي سياسي استباقًا لتولي ترامب سدة الحكم الأمريكي، لا يحظى بموافقة إسرائيلية، إذ وصف رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو هذا المؤتمر بأنه "خدعة فلسطينية برعاية فرنسية".

لكنَّ المتخصص في السياسة الخارجية الأوروبية تجاه الشرق الأوسط، أديب زيادة، لا يرى جديدًا أبدًا في مؤتمر باريس المخصص لإحياء عملية "التسوية"، واصفًا إياه بنسخة طبق الأصل لكل المحاولات التي تتعلق بهذا الموضوع منذ 1993.

ويقول زيادة، لصحيفة "فلسطين": "لا أعول على هذا المؤتمر، ولا أعتقد أن أمل عباس في مكانه، إنه لا يزال يراهن حتى الآن على قرار من المجتمع الدولي"، لافتًا إلى أن قرار مجلس الأمن الأخير المُدين للاستيطان، أكثر أهمية من مؤتمر باريس، لكنه فاقد لآليات التطبيق، إذ إنه لم يطبق على الأرض، ولم يشر إلى آليات لملاحقة سلطات الاحتلال إذا لم توقف الاستيطان.

ويعتبر أن تعويل عباس على مؤتمر باريس "فارغ وليس في مكانه"، مبينًا أن البيان الختامي المقترح للمؤتمر "هو نسخة طبق الأصل عن كل التصريحات والبيانات التي أطلقها المجتمع الدولي عبر مسيرته مع السلطة الفلسطينية منذ 1993 حتى الآن".

ويوضح أن البيان المقترح للمؤتمر "يعيد الأسطوانة المشروخة التي تتعلق بحل الدولتين ومسألة التأكيد على فكرة رفض الاستيطان على سبيل المثال"، مفسرًا بأن هذا الرفض للاستيطان لا يتحدث أبدًا عن آليات لوقفه ولا حتى عن آليات لإطلاق المفاوضات، ولا لمعاقبة سلطات الاحتلال إذا رفضت مخرجات المؤتمر، كما لا تحدد سبل الخروج من المأزق.

والبيان الختامي المقترح لمؤتمر باريس الذي ينعقد اليوم، والمتداول إعلاميًا، ينص على ما يسميه "تلبية احتياجات (إسرائيل) الأمنية"، كما ينص على "حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وسيادته، والإنهاء التام للاحتلال الذي بدأ العام 1967، وحل جميع قضايا الوضع النهائي على أساس قرارات الأمم المتحدة، ومن ضمنها قرارا مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973)".

"حل الدولتين" مات

ويرى زيادة أن ما يسمى "حل الدولتين" انتهى، لأن سلطات الاحتلال لم تطبق هذا الحل على أرض الواقع، وهذا ما أقر به الرئيس الأمريكي منتهي الولاية باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري في خطابه، مؤخرًا.

وكانت واشنطن امتنعت في خطوة تاريخية، عن استخدام حق النقض "فيتو" ضد قرار يدين الاستيطان في مجلس الأمن، ما سمح بتبني المجلس للقرار.

ويقول زيادة "إن الاتحاد الأوروبي يقوم بإصدار تخوفات، لكن هذه التخوفات عبارة عن واقع، والواقع يقول إن حل الدولتين مات منذ أمد بعيد، و(إسرائيل) ليست مستعدة لقيام دولة فلسطينية حقيقية إلى جانبها، والاستيطان في الضفة الغربية لم يبق أي أساس لبناء دولة فلسطينية".

وفيما إذا لم يفض مؤتمر باريس إلى خطوات عملية وبقي الاستيطان والاحتلال على حاله، فإن ذلك لا يعني أن الاتحاد الأوروبي سيتخذ خطوات فعلية لتطبيق ما يسمى "حل الدولتين"، والكلام للمتخصص في الشؤون الخارجية الأوروبية أديب زيادة.

ويضيف: "أعتقد أن الأوروبيين مع مجيء ترامب سيزدادون جبنًا على جبنهم المعروف سابقًا"، متسائلاً: "إذا لم يفعلوا شيئًا (لدفع التسوية) في عهد شخص مثل أوباما، ووجود وزير خارجية كجون كيري، هل من المتوقع أن يتحركوا باتجاه عمل شيء واقعي من أجل ما يسمى حل الدولتين في ظل ترامب المعروف وهو وإدارته بالتعاون الكامل مع اللوبي الصهيوني في أمريكا والمتعاطف جدًا مع دولة الاحتلال؟".

ويتابع: "لا أعتقد أن الأوربيين سيجرؤون على اتخاذ خطوات عملية من أجل تطبيق حل الدولتين، وسيبقون عبارة عن الممول الرسمي للاحتلال".

ويشير إلى أن الاتحاد الأوروبي يمول ميزانية السلطة الفلسطينية في رام الله لمساعدتها على القيام بالأعباء التي كان يفترض أن يقوم بها الاحتلال حسبما نصت عليه اتفاقية "جنيف" الرابعة المتعلقة باحتلال أراضي الغير، إذ إنه يتوجب على سلطات الاحتلال وفق القانون الدولي تولي الخدمات المدنية المتعلقة بالسكان في الدولة المحتلة.

ويذهب زيادة إلى أبعد من ذلك، باعتقاده أن الأوربيين يمولون الاستيطان، قائلاً، إن الاتحاد الأوروبي لم يقم بأي خطوة عملية لمقاومة تلاشي ما يسمى "حل الدولتين".

ويضيف "حتى وسم بضائع المستوطنات، هم صحيح اتخذوا قرارًا لكن هذا القرار ليس ملزمًا لدول الاتحاد الأوروبي، بمعنى أن هناك دولاً في الاتحاد لم تلتزم بالقرار وهي في حل من أمرها من أن تلزم تجارها ومصانعها به".

ويعتقد زيادة أن الاتحاد الأوروبي "سيستمر في سياسته القائمة على الدعوة للمفاوضات والحل القائم على المفاوضات بين الطرفين وأنه لا يمكن فرض الحل على أي من الطرفين"، لكنه ينبه إلى أنه "إذا أراد الأوربيون حلاً فلا بد أن يفرضوا حلاً".

ويفسر أنه "في ظل تعنت الطرف الإسرائيلي، وما دام يرفض هذا الحل لا بد من إجباره عليه، لكن لا أرى أنهم جادون، هم أجبن من أن يتخذوا قرارًا بهذا الخصوص"، وفق وصفه.

ويتفق عضو مجلس العلاقات الدولية تيسير محيسن، من جهته، على القول، إنه ليس بالمقدور تحديد ما إذا كان بإمكان الفرنسيين ومن يشارك في مؤتمر باريس أن يخرجوا بقرارات ملزمة للاحتلال الإسرائيلي.

ويقول محيسن لصحيفة "فلسطين": "لكن على الأقل، السلطة تطمح في أن يعاد طرح الموضوع الفلسطيني وتصديره لحديث المجتمع الدولي بعدما طغت على اهتمام الأخير قضايا إقليمية ودولية أخرى باتت القضية الفلسطينية في ظلها في ذيل القافلة أو في مستوى متدن من التعاطي الدولي، وخاصة بعد فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية وتصريحاته الفجة المساندة لـ(إسرائيل)".

ويشير إلى أن نوايا ترامب تقلق السلطة الفلسطينية والعرب خاصة فيما يتعلق بتصريحاته عن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة "التي تعطي مؤشرًا على أن فترة إدارة ترامب ستكون أسوأ بكثير من فترة رئاسة أوباما".

ويؤكد محيسن أن عباس "يعول بشكل كبير على عقد مؤتمر باريس"، مشيرًا إلى أن رئيس السلطة يرى أن ذلك يمكن أن يحفز العديد من دول العالم لاتخاذ خطوات متقدمة للضغط على الاحتلال من أجل وقف عملية البناء في المستوطنات على الأقل، وتثبيت ما يسمى "حل الدولتين".

وكان كيري حذر في 29 ديسمبر/ كانون أول الماضي، في كلمة قبيل مغادرته المرتقبة منصبه كوزير لخارجية الولايات المتحدة، من أن بناء المستوطنات "يهدد السلام في الشرق الأوسط"، معبرًا بصراحة غير معتادة عن إحباط بلاده إزاء حليفتها دولة الاحتلال الإسرائيلي.

اخبار ذات صلة