لا تزال قوافل وسفن كسر الحصار عن غزة تقارع الاحتلال، وإلا فكيف يمكن إيصال المواد الإغاثية إلى شعب محتاج ومحاصر، يتم تجويعه، ويموت مرضاه لعدم وجود الدواء وتمكنهم من العلاج؟!، فهنا ترتبط الإغاثة بالعامل السياسي. وهنا تبرز هذه الإشكالية بين الشأنين الإغاثي والسياسي، وما تحاول (إسرائيل) إظهاره للعالم بأنه عمل سياسي (مخالف لقانون الاحتلال)، إلا أنه في حقيقة أمره هو عمل إنساني وقانوني مشروع، وفي المقابل ما تقوم به (إسرائيل) من ممارسات تعد غير قانونية ويصنفها القانون الدولي كجرائم حرب.
قبل يومين، اعترضت الدولة التي تدعي بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، سفينة "عودة" وهي إحدى سفن قوافل كسر الحصار على غزة ، أثناء ابحارها في المياه الدولية قريبا من القطاع واعتقلت ركابها الستة والثلاثين ذوي الجنسيات المختلفة وسيطرت على ما تحمله السفينة من معونات. وهذه هي المرة الخامسة التي تمنع بها اسرائيل سفنا بحرية تحمل ناشطين سلميين من الوصول لغزة بما فيها السيطرة الدموية على سفينة مرمرة التركية في العام 2010. ولم تكتفِ اسرائيل بقدرتها _ وبحكم القوة _ على السيطرة والاستيلاء على أي سفينة تتجه من وإلى غزة، بل شرعنت هذه القرصنة إصدار المحكمة الإسرائيلية في القدس قراراً يقضي بمصادرة سفينتي (كاريستين والحرية) المقرر مشاركتهما في قافلة السفن القادمة لكسر الحصار وبيعها في المزاد العلني وتسليم ثمنها، كتعويض مالي لعائلات قتل أبناؤها من قبل حماس!
هذه المرة الخامسة على التوالي التي تقوم قوات الاحتلال بالقرصنة على سفن مسالمة تحمل ناشطين دوليين ومتضامنين لديهم رسالة سلام وحقوق لغزة المحاصرة يحاولون عبر سياسة اللاعنف إحداث ثقوب في الحصار الحديدي الذي تطبقه (اسرائيل) على غزة منذ عشر سنوات ولكن على عكس الأولى، لأنهم مسالمون وحضاريون ويرفعون شعارين هامين هما رفض العقاب الجماعي وجميع أشكال العنصرية بما فيها معاداة السامية وكراهية الاسلام ، فلا عين دولية ترى ولا قانون عالمي يسمع، وذلك رغم تشابه الحالتين من الناحية القانونية، فالقرصنة في القانون الدولي هي أي عمل غير قانوني من أعمال العنف والاحتجاز أو الحرمان أو التجريد يرتكبه أشخاص لغايات شخصية ضد ركاب السفينة أو الممتلكات على متن تلك السفينة في أعالي البحار.
فالحصار أتى بقرار سياسي وأية محاولة للوصول لغزة لا ينظر إليها إلا كعمل سياسي، وما دام أي عمل سياسي يسير في سياقه المشروع وضمن القانون الدولي، فلا يمكن لأحد أن يتهمه بغير القانوني, والأهم في هذا الجانب أن يكون العمل قانونياً في كل الأحوال سواء كان إغاثياً أم سياسياً، ومعاناة الشعب الفلسطيني ومأساته الإنسانية سببها القرارات والممارسات السياسية الجائرة التي تتمحور كلها حول استمرار الاحتلال، فإذا ما انتهى الاحتلال وأعيدت الحقوق لأصحابها انتهت المعاناة، لذلك فإن قوافل كسر الحصار هدفها هو مقارعة القرار السياسي الظالم الذي يكرس الاحتلال والحصار، وإن كانت تجلب معها مساعدات إنسانية ومواد إغاثية يحتاجها القطاع وهذا أيضا قرار سياسي خاصة وأن (إسرائيل) تمنع وصول المواد الأساسية لقطاع غزة في ظل الحديث عن كارثة إنسانية بكل المقاييس، حيث الانقطاع المستمر للكهرباء التي تمثل شريان الحياة في عصرنا الحالي، وأيضاً حركة السكان محدودة وتواصلهم مع العالم الخارجي محدود وضمن شروط، وهذه الآثار للحصار وغيرها لا يزال يعيش تداعياتها الناس، ما يؤكد بأن الحصار لا زال يترك آثارا كارثية على الأهالي، فيما يكمن الحل فقط في رفع الحصار وإيجاد حل عادل لقضية الشعب الفلسطيني ينهي الاحتلال ويعيد للفلسطينيين حقوقهم المسلوبة، فحصار غزة هو كارثة إنسانية سببها الحصار.
مخطئ الاحتلال إذا اعتقد ان قرصنته لسفن كسر الحصار سيوقف من يسيرها الى غزة، ومخطئ الاحتلال مئة مرة اذا اعتقد ان شعوب العالم ستبقى صامته على الحصار، لأنها على يقين ان الحصار والاحتلال سيزولان، فقد سيرت اسطول الحرية وشريان الحياة عدة مرات، واميال من الابتسامات، وروح الحياة..الخ ولا تزال هذه القوافل والسفن تأتي الى غزة رغم قرصنة الاحتلال حتى يرفع الحصار كلية. فاستمرار القوافل هو أمر مهم جدا، وأصبحت مطلباً ملحاً أيضا من عدة أطراف كأهالي غزة والجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الإنسانية والدولية، وعلى الأقل فإن هذه القوافل تشعر الغزيين بأن العالم لم ينسَهم، ومن ضرب هذا الحصار أراد به عزل غزة عن العالم وعزل العالم عنها، وكما ذكرت سابقا، أن هذا الحصار يعتبر كواحدة من الجرائم ضد الإنسانية