شكلت مشاهد الاعتقالات للشبان الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وصور الاستباحة لمدنها حالة من الاستياء والسخط الشعبي إزاء السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية التي تقف عاجزة عن توفير الحماية لأبنائها في الوقت الذي تشترط تمكينها من قطاع غزة وسلاحها لتحقيق المصالحة.
وعلاوة على الاعتقالات شبه اليومية التي تطال النساء والرجال والأطفال دون تفريق بينهم، فإن تمادي الاحتلال واستهدافه للمقدسات والأرض بالمصادرة والتهويد والتجريف وتشريد الكثير من التجمعات السكانية تثير علامات استفهام كثيرة حول جدوى وجود السلطة في مناطق يفترض خضوعها لمسؤولية فلسطينية أمنية ومدنية كاملة.
ومنذ عدوان "السور الواقي" الذي استهدف الضفة عام 2002 فقدت السلطة سيطرتها على المناطق (أ) حتى باتت أجهزتها الأمنية تعمل موظفًا لحساب جيش الاحتلال، وتنسحب من المدن بناء على طلبه، بل تعدى ذلك إلى دور وظيفي يسهم في اعتقال من يصفهم الجيش بـ"المطلوبين"، وفقًا للعديد من الشواهد والشهادات.
ولم يعد يخفي المواطنون الفلسطينيون المتضررون استياءهم من غياب شعورهم بالأمن كأحد مقومات الحياة التي وعدة بها السلطة، يقول أبو فيصل.
وأضاف: "عندما سمعنا مصطلح التمكين الذي تطالب به السلطة في قطاع غزة تسألنا جميعًا، لماذا السلطة غير ممكنة في الضفة فالأمن غائب ومقدساتنا وبيوتنا وممتلكاتنا مستباحة".
بينما يتساءل هاني دويكات عبر صفحته عبر الفيس بوك: "أليس من معاني التمكين أن أنام الليل دون أن أخشى على حياتي وأسرتي من الحرق؟".
وتابع: "أليس من معانيه أيضا حقي بالتنقل دون أي معوقات؟ ولماذا نسمع كل يوم خبر اعتقال هنا ومداهمة هناك؟ أليس من الأولى أن نحمي المواطن هنا في الضفة كما تحميه هناك المقاومة في غزة التي تطالبوا بالتمكين فيها لتجردوها من رمز عزتها وشرفها سلاح المقاومة".
ويعيش عموم الفلسطينيين في الضفة حالة من فقدان الثقة بكل شيء من حولهم، حيث باتت الاعتقالات السياسية للنشاط على خلفية تأييدهم للمقاومة أو احتمالية ضلوعهم بها سلوكًا أساسيًا يتناقض مع وظيفة السلطة الأساسية في حماية شعبها.
ووفقًا لتقرير نشره المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في مارس/ آذار الماضي حول انتهاكات أجهزة أمن السلطة، شهدت الضفة الغربية 1150 حالة اعتقال تعسفي، و1510 استدعاءات تعسفية، خلال عام 2017.
الكاتب والباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، قال لصحيفة "فلسطين": إن واقع الضفة هي نتاج حالة طبيعة لسياسات انتهجت بهدف القضاء على المقاومة وملاحقة المقاومين في كل مجالات الحياة.
وأشار إلى أن السلطة تطالب بالتمكن في قطاع ليتم استنساخ نسخة جديدة عن الضفة الغربية "وباعتقادي أن ذلك لم ينجح، في ظل القوى والشعبية التي تتمتع بها المقاومة في القطاع".
والتوصيف لم يختلف كثيرا لدى الكاتب والمحلل سليمان محمد الذي يرى بأن مطالبة السلطة والحكومة بالتمكين من الواقع في غزة باتت مكشوفة الأهداف والتي يراد منها رأس المقاومة وسلاحها وجعلها تماما كما هو الحال في الضفة الغربية.
وقال: "السلطة لا تقوى على الوقوف ضد أي من ممارسات الاحتلال، فيوميًّا هناك اعتقالات ومداهمات وجرائم وانتهاكات، ومع ذلك لم نرَ أي تمكين ولا حتى أدنى مقومات الأمن، وعلى العكس المواطن يشاهد كل يوم مشاهد العزة والكبرياء التي فرضتها المقاومة في غزة والتي تهب لرد أي عدوان رغم الحصار والتجويع".