يسكن تجمع الخان الأحمر الواقع شرقي القدس المحتلة بدو فلسطينيون لاجئون رحَّلَهم الاحتلال قسريَّا من النقب بعد ثلاث سنوات من النكبة الفلسطينية عام 1948م، واستضافتهم قرى فلسطينية أخرى بالضفة الغربية فتوزعوا في 46 تجمعًا غالبيتهم من قبيلة عرب "الجهالين"، لكن الاحتلال يحاول تهجير تلك التجمعات الفلسطينية بالادعاء أنها "أراضي دولة" وأنها مناطق نفوذ لمستوطنات إسرائيلية.
وعلى بعد 10 كيلو مترات شرقي مدينة القدس وعلى الطريق الرئيس المؤدي إلى أريحا يقع الخان الأحمر، والمعروف أيضًا بخان السامري، والذي يتعرض سكانه لمحاولات اقتلاع وتهجير.
والخان بحسب مؤرخين فلسطينيين، عبارة عن بناء عثماني من القرن السادس عشر، كان مزارًا للتجار على هذا الطريق القديم الذي يربط ضفتي نهر الأردن حيث كانوا يتوقفون للاستراحة وإطعام الخيول.
وكانت محكمة الاحتلال العليا صدقت في 24 مايو/ أيار الماضي، على أوامر هدم نهائية صدرت بحق تجمع الخان الأحمر، وهو ما سيؤدي في حال تنفيذه إلى تهجير مئتي فرد يتوزعون على 45 عائلة.
أسلوب تحايل
أستاذ التاريخ في جامعة النجاح أمين أبو بكر، يقول إن منطقة الخان الأحمر والمناطق الفلسطينية المحيطة به تملكه العشائر الفلسطينية منذ مئات السنين، وهي أراضي وقف وطابو مسجلة لدى العثمانيين والأردنيين والبريطانيين وحتى لدى الاحتلال، مشيرًا إلى أن حكومة الاحتلال تدَّعي أنها أراضي دولة من خلال التحايل بأنها ورثتها من الحكومة الأردنية، وهذا غير صحيح لأن الدولة تورث الدولة في الوطن الواحد وليس في واقع احتلال أرضٍ وطرد أهلها.
ويضيف أبو بكر لصحيفة "فلسطين": إن جذور ملكية الأرض تعود للقبائل الفلسطينية سواء القديمة أو التي نزحت بعد النكبة إليها"، مشيرًا إلى أن هناك علاقة وثيقة بين القبائل الموجودة بمنطقة برية القدس التي يوجد بها تجمع الخان الأحمر، وبين قبائل منطقة بئر السبع وهُجِّرت بعد النكبة, واستضافتها قبائل أخرى بمنطقة القدس، وهذا لا ينفي ملكيتها للقبائل الفلسطينية.
ويشير إلى أن هذه التجمعات وصلها العمران، ومن السهل تزويدها بالمياه وإنعاشها، لكن الاحتلال يحاول الادعاء بأنها منطقة جرداء وتخلو من الزراعة والهدف من ذلك هدمها، مشيرًا إلى أن الاحتلال حاول هدم التجمع والمناطق المحيطة لتنفيذ مشروع "القدس الكبرى" وربط المستوطنات الإسرائيلية ببعضها.
وبين أن منطقة برية القدس كانت مسجلة بالأرشيف العثماني على أسماء القبائل الموجودة حينها وهي "السوارحة والعابدية"، وتسمى الأرض "الواجهة العشائرية" وهي ملك لكل أفراد العشيرة.
وسميت هذه الأراضي بالخان الأحمر نسبة إلى خانٍ عثماني وقلعة بُنِيا في القرن السادس عشر، القلعة لحراسة الطريق الرومانية– الأموية التي تربط بين القدس وأريحا والأردن والتي عُرفت بطريق الغور، والتي وجدت بجوار القلعة بقايا حجر الميل الروماني والأموي الذي يحدد المسافات بين المدن.
أراضي وقف
لكن المستشار القانوني لرئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان محمد نزال، يقول إن أراضي التجمعات البدوية شرقي القدس والتي منها الخان الأحمر، خضعت للتسوية الأردنية بمعنى أنها أراضي طابو مسجلة بأسماء فلسطينيين مالكين لها من بلدة عناتا بالقرب من القدس المحتلة.
ويقول نزال لصحيفة "فلسطين" تجمع الخان الأحمر يمتد على خمس قطع أراضٍ مسجلة بأسماء أشخاص فلسطينيين، قدموا المخطط التفصيلي لمباني الخان الأحمر ووقعوا عليه بصفتهم مالكين له وفقًا لسجلات التسوية الأردنية".
وعن محاولات الاحتلال تزوير الحقائق والتاريخ، يبين أن تجمع الخان الأحمر مقام بموافقة الأهالي، وأن هناك اتفاقية إيجار بين أصحاب الأراضي وتجمع عرب الجهالين الذين يقيمون على هذه الأرض، لافتًا إلى أن الاحتلال يحاول تبرير جريمته بالادعاء أن هذه المنطقة منطقة نفوذ لمستوطنات أقيمت على هذه الأرض لاحقًا، أو الإعلان أنها أراضي دولة.
ويؤكد أن كل المعطيات تكذب رواية الاحتلال بهذا الجانب، فهذه التجمعات موجودة من قبل وجود الاحتلال، موضحًا أن خطة ترحيل الخان الأحمر والتجمعات البدوية الأخرى مخطط كان مطروحًا منذ سبعينيات القرن الماضي، بهدف السيطرة على الأراضي الفلسطينية وفصل الضفة الغربية، والسيطرة على كل الأراضي الفلسطينية الممتدة من شرقي القدس حتى البحر الميت ونهر الأردن.
لكن المشكلة بدأت مع الخان الأحمر، كما تابع مستشار الهيئة، مع إقامة مستوطنات الاحتلال، وتحديدًا مستوطنتي "معاليه وكفار، وأدوميم" التي أُريد من خلالها السيطرة على المنطقة ومحاصرة شرقي القدس.
ويؤكد نزال أن ملكية الأرض مثبتة وأنها ليست بحاجة لفتح معركة وخوض صراع في هذا الإطار، ولا يوجد جدال على أنها أراضٍ فلسطينية خاصة، رغم الادعاء الإسرائيلي أنها منطقة نفوذ لمستوطناته، قائلًا: "إن كل المحاولات على مدار تسع سنوات متواصلة للتصدي لمحاولة إخلائه تعكس جدية ما بذله الفلسطينيون".