جنديان في جيش الاحتلال الإسرائيلي يجران فتاة فلسطينية بعد نزع الحجاب عن رأسها الذي تتناثر منه الأتربة، جراء إيقاعها أرضًا، ويسحلانها، في عقر دارها بتجمع الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة، الذي تريد (إسرائيل) أن يمر مشروعها الاستيطاني "E1" على أنقاضه.
لكن هذه ليست نهاية القصة، ولا بدايتها.
في الرابع من يوليو/تموز 2018، كان سكان "الخان الأحمر"، وهم أسر بدوية من عشيرة عرب أبو داهوك المتفرعة من بدو الجهالين، على موعد مع هجوم يشنه جنود مدججون بالسلاح من فروع مختلفة في جيش الاحتلال.
ويبدو التجمع بفعل منع سلطات الاحتلال مقومات الحياة عنه، بدائيا في مظهره، فهو دون طرق معبدة، أو خدمات مياه وكهرباء، وغيرها، لكن تنتشر فيه منازل فلسطينيين مصممين، رغم كل ذلك، على البقاء.
مقابل هذا الكم من الجنود والعتاد، وقفت عشرات النساء والأطفال والرجال والشيوخ العزل، ليقولوا: لا.
يعيد هذا المشهد تماما، تهجير العصابات الصهيونية للفلسطينيين سنة 1948 من أراضيهم، المعروف بالنكبة.
تحول التجمع إلى ثكنة عسكرية تعج بالجنود الذين ارتدوا الزي العسكري الرمادي الغامق، قبل أن يتحول إلى ساحة للمواجهة.
وتجدر ملاحظة أن السكان، الذين يكسو ملامح معظمهم لون حنطة فلسطين، تخنقهم سلطات الاحتلال منذ عقود، بغية دفعهم للرحيل لكنها فشلت في ذلك.
كانت أعين جنود الاحتلال الحمراء تحمل شرر توجه واضح لتطهير الأرض عرقيا، حولوه لعنف ضد كل امرأة، وشيخ، ورجل، وطفل.
خلال اعتصام في التجمع باليوم ذاته، شرعت معدات وسيارات عسكرية وشرطة تابعة للاحتلال الإسرائيلي بالاقتراب من المكان، عند الخامسة صباحا، تحضيرا للهجوم، وعندها انطلقت مناشدة للفلسطينيين وأصدقائهم بالتواجد، بحسب شاهد العيان، منسق حملة أنقذوا الخان الأحمر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عبد الله أبو رحمة.
ما هي إلا ساعة، حتى اقتحمت جرافات احتلالية التجمع واعترضها عدد كبير من الفلسطينيين المتواجدين هناك، لمنعها من الوصول إلى المنازل، وعندها نجحوا في إيقافها لساعات عدة.
هرعت قوات شرطة الاحتلال وما يسمى "حرس الحدود" وقوات متخصصة في القمع، إلى المكان، حيث اعتدت على العزل، وانتهجت العنف والضرب بحقهم، ما أسفر عن إصابة قرابة 50 فلسطينيا، واعتقال 11 آخرين في تلك اللحظة.
ذلك قبل أن تنطلق عملية تجريف الطرق والشوارع في التجمع، وسحل فتيات، وبحسب "أبو رحمة" تم الإفراج لاحقا عمن تم اعتقالهم باستثناء فتاة، بكفالة مالية.
هب سكان التجمع للدفاع عن حقهم في أرضهم، وهو ما يراه الاحتلال "ذنبا" يقابله بكل هذا البطش.
وفي أحد مشاهد العنف الاحتلالي، تمترست فتاتان أمام جرافة سعت لطمس هويتهما، فسارع ثلاثة جنود للاعتداء عليهما جسديا.
وتظهر صورة جنديا يعرقل بقدمه فتاة، بعد نزع حجابها، ويجرها بينما تقاوم هذا الاعتداء، وإلى جانبها كان جنديا بفتاة أخرى من أعلى ملابسها، وقد أوقعها أرضا.
هتك الإنسانية
كان الجنود تماما كذئاب ضالة، لا يهمها سوى تنفيذ المآرب التي جاءت لأجلها، حتى وإنْ هتكت الإنسانية، فضلا عن القوانين الدولية.
جنديان من هؤلاء انقضّا على فتاة، وراحا يجرناها، بينما انطلقت من ملامح وجهها المُحْمر صرخة، لإنقاذها منهما.
كسا الغبار المشهد في الخان الأحمر، حيث عاثت الجرافات في الأرض خرابا، ودنس الجنود بأحذيتهم التراب.
وطالت الاعتداءات الرجال الذين تعرضوا للضرب، وغيره. لقد كانت مجموعة كبيرة من جنود الاحتلال تتداعى للهجوم على كل إنسان هناك.
يقول أبو رحمة، سكان التجمع يملكون الحق والإرادة والانتماء للوطن، ذاكرا أن هناك مساعي لدعم صمودهم وتلبية احتياجاتهم البسيطة كالكهرباء والمياه وتعبيد الشوارع.
ويقطن في هذا التجمع ما يتراوح بين 150 و200 فلسطيني، وقد أقيمت فيه مدرسة يرتادها 180 طالبا بعضهم قادم من تجمعات أخرى، فيما يشكل الأطفال والنساء نحو 70% من السكان.
كان هذا الهجوم على الخان الأحمر بعد قرار قضاة محكمة الاحتلال العليا، في 18 مايو/أيار 2018، بتنفيذ جريمة حرب تتمثل بالنقل القسري للسكان هناك، في خطوة ترمي –كما يؤكد مراقبون- إلى تطبيق المشروع الاستيطاني المسمى "E1"، الذي يفصل القدس نهائيا وبشكل كامل عن امتدادها الفلسطيني، ويتمثل في إخلاء كلّ الفلسطينيين الذين يعيشون في محيط المدينة والمناطق المحيطة بمستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس.
مثّلت هذه المشاهد صراعا بين الحق والباطل.
والآن، يبقى الترقب سيد الموقف، انتظارا لجلسة أخرى ستعقدها محكمة الاحتلال قبل 15 من الشهر المقبل، للبت في هدم الخان الأحمر، لكن على أي حال، مساعي الفلسطينيين لوقف هذه الجريمة مستمرة.