الخطر الذي يعانيه الاحتلال الإسرائيلي الآن ليس الجيوش العربية ولا النووي الإيراني وإنما قلقه من طائرات ورقية يسيرها اطفال من قطاع غزة بتقنيات محلية بسيطة جدا أوقفته عاجزا عن صدها أو إيقافها رغم امتلاكه التقنيات الحديثة والاسلحة والمضادات المتطورة بالإضافة لآلات الرصد والانذار وكل وسائله الجوية، ناهيك عن اجهزة الاستخبارات التي تعمل ليلا نهارا كلها لم تسعفه حتى اللحظة.
التهديدات الإسرائيلية بالاستهداف المباشر لمطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من قطاع غزة على دولة الاحتلال تعيد إلي الأذهان التهديدات الإسرائيلية في الانتفاضة الأولى باستهداف الأطفال والفتية بإطلاق النار عليهم وبسياسة تكسير العظام التي استخدمها اسحق رابين وزير حرب الاحتلال آنذاك، والتي لم ولن ترهب شعبنا، بل على العكس من ذلك تواصلت انتفاضة الحجارة، وتوسعت لتشمل كل مدينة وقرية ومخيم في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ٦٧ بما فيها القدس، بل وعلى رأسها القدس.
وكانت نتيجة فشل سياسة رابين التهديدية وسياسة تكسير العظام، أن العالم أدان هذه السياسة التي استهدفت الأطفال والصبية بدرجة أولى كما أنها طالت النساء والشيوخ، الأمر الذي دعا وزير جيش الاحتلال في ذلك الحين وعندما أصبح لاحقا رئيسا للوزراء إلى توقيع اتفاق أوسلو مع منظمة التحرير والاعتراف بها وبأنها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في كافة أماكن تواجده وكذلك قيام السلطة الوطنية الفلسطينية.
وعودة للطائرات الورقية وهي معجزة العصر، التي لا يُستبعد إدانتها من مجلس الأمن وما تبقى من جامعتنا العربية وما تبقى من مجلس التعاون الخليجي وما تبقى من منظمة التحرير..الخ أصبحت محط إزعاج وتبعث على القلق الشديد كل حسب موقعه ومكانته لدى الاحتلال، الذي يستصرخهم من "دماء أطفال" وهي ابسط تقنية يدوية محلية الصنع ليقول لهم "ارحموا عزيز قوم ذل".
اجل إن الطائرات الورقية معجزة العصر، فهي ابداع نضالي بسيط قام به البعض من الاطفال لمحاولة اجتياز الحواجز المستحيلة، حتى بعد استشهاد ستين شخصا في يوم واحد، وهو أشبه بابداع الأطفال حين امتشقوا الحجر في انتفاضتهم الأولى لمواجهة الرصاص والغاز والمطاط والدمدم، وتفوق الأطفال على الاحتلال وجيشها وجبروتها واسميت انتفاضتهم بانتفاضة أطفال الحجارة.
فالاستهداف المباشر لمطلقي الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من الأطفال والفتية لا يمكن أن يجدي نفعا في وقف مسيرة شعبنا التحريرية عبر وسائل النضال المختلفة والتي في مقدمتها حاليا النضال الجماهيري السلمي المتمثل في مسيرات العودة من قطاع غزة والمسيرات الأسبوعية السلمية في الضفة الغربية.
إن الدعم الأميركي غير المحدود للاحتلال لا يمكن أيضا أن يوقف مسيرة شعبنا، بل على العكس من ذلك سيزيده إصرارا على مواصلة نضاله السلمي حتى تحقيق كامل أهدافه في الحرية والاستقلال الناجزين والمعترف بهما دوليا.
إن أقصر الطرق لوقف النضال السلمي الفلسطيني هو الاعتراف بحقوق شعبنا الوطنية والثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
أما مواصلة التهديد والتصعيد العسكري والتلويح بالقوة الغاشمة فلن يجدي نفعا، وإن دل على شيء فإنما يدل ليس على القوة، بل على الضعف والخوف من المستقبل، فالقوي هو من يعترف بحقوق الآخرين، أما الخائف فهو الذي يحاول أن يهدد ويتوعد ويخوض الاعتداءات ظنا منه بأن مثل هذه الأساليب البائدة يمكنها أن تخيف أو تضر شعبنا.
فسياسة "ما لم يتحقق بالقوة، فبالمزيد من القوة" هي سياسة أثبتت فشلها وخائبة، فشعبنا رغم كل المجازر التي ارتكبت ولا تزال بحقه، ما زال يناضل ويقدم التضحيات الجسام من أجل زوال الاحتلال ونيل حريته واستقلاله .
فهل تدرك حكومة الاحتلال وإدارة الرئيس ترامب بأن الشعوب إذا هبت ستنتصر إن آجلا أم عاجلا، وشعبنا لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا، والدليل الواضح هو مواصلة مسيرته ونضاله بأساليب عدة تتلاءم مع كل مرحلة من مراحل النضال.