يحتل التقويم مكانة كبيرة في المنظومة التعليمية بكل عناصرها، وهو وسيلة التغيير والتطوير في العملية التربوية في إطار ما نسعى إليه من خلال تحسين مدخلات النظام التعليمي وتجويد مخرجاته، وفي سياق ظهور اتجاهات حديثة في التعليم متمثلة في الاعتماد وجودة المؤسسات التعليمية لتحسين المنتج التعليمي؛ كان لابد من تغيير النظرة التقليدية إلى التقويم، الذي يشوبه كثير من الأخطاء وعدم المصداقية في بعض الأحيان، وتبني أساليب تقويم حديثة تلافي عيوب الأساليب المستخدمة حاليّاً من جهة وتواكب التطورات الحديثة في التعليم من جهة أخرى.
ويمكن الاستفادة من معطيات العصر الحديث بما فيها من تكنولوجيا واستخدام (الإنترنت) وحوسبة المناهج، إذ يمكن أن توظف في صياغة إستراتيجيات حديثة للتقويم، والتقويم هو: "العملية التي يعرف بها ما تحقق من الأهداف وما لم يتحقق، ويقترح ما يلزم تحقيقه".
وتشير بعض الأبحاث والدراسات في مجال قياس وتقويم التحصيل أن التقويم لا يزال أضعف مكونات المنظومة التعليمية، نظراً لاستناده إلى مفهوم ضيق للتحصيل، ما ترتب عليه آثار سلبية انعكست على المعلمين والمتعلمين، وأدت إلى انفصال عملية التقويم عن عملية التعليم، "ويعتمد التقويم في مؤسساتنا التعليمية اعتماداً كليّاً على الاختبارات التحريرية، وهي التي تقدم للطالب على هيئة أسئلة مكتوبة ويطلب منهم الإجابة عنها كتابة ثم تقديمها للتصحيح"، والامتحانات ليست محكّاً عادلاً لتقويم مستوى الطلاب، فقد يقع الطالب تحت تأثير بعض العوامل المختلفة كالمرض وغيره، ما قد يؤثر على درجته.
وهناك العديد من الجوانب المختلفة يصعب قياسها بالاختبارات الموضوعية واختبارات الورقة والقلم، وعلى المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية أن يحاولوا تقويم طلابهم بطريقة تقدم نظرة دقيقة إلى جوانب القوة والضعف عند المتعلم، فالطلاب لا يتعلمون بطريقةٍ واحدة، وعلى هذا يجب أن يقوّموا بطرائق متنوعة، ونتيجة لظهور اتجاهات حديثة ترقى بالتعليم ومؤسساته المختلفة كالاعتماد وضمان الجودة لهذه المؤسسات تصبح الحاجة ملحة لتبني أساليب حديثة في التقويم تواكب وتلائم هذه التطورات.
فالاهتمام المستمر بتطوير التعليم يجب أن يقابله تطوير في أساليب القياس والتقويم، وهذا يفرض على المهتمين بالقياس النفسي والتربوي إعادة النظر بصورة مستمرة في أدوات القياس وتطويرها، ومراعاة الشروط والأسس الفنية الواجب توافرها عند بنائها، لكي يعتمد على نتائجها بدرجة أكبر من الثقة.
وتؤكد الاتجاهات التربوية المعاصرة الحاجة إلى نظام تعليمي مبني على الاقتدار أو الكفاءة، بمعنى أن تحدد مجموعة من المعارف والمهارات الأساسية المتكاملة التي يجب أن يتقنها ويمارسها الطالب في كل مرحلة من مراحل التعليم لكي يستطيع تطوير مجتمعه، وكذلك إعطاؤه الفرصة المناسبة كي يحقق هذه الأهداف من خلال العملية التعليمية، حتى يكون قادراً على المشاركة الإيجابية والفعالة في المجتمع، لذا يجب أن تتوافر وسائل وأدوات قياس نحصل من خلالها على أداة موضوعية عن مدى إتقان كل طالب لهذه المعارف ليسهل معرفة درجة كفاءته، وبذلك يمكن تقدير مدى فاعلية العملية التعليمية في تحقيق أهدافها.
وقد دعت التوجهات الحديثة في مجال القياس والتقويم التربوي إلى نوع من التقويم يعرف بالتقويم البديل، ذلك التقويم الذي يعتمد على الافتراض القائل: إن المعرفة تُكوّن وتُبنى بوساطة المتعلم، إذ تختلف تلك المعرفة من سياق إلى آخر، وتقوم فكرة هذا النوع من التقويم على إمكانية تكوين صورة متكاملة عن المتعلم في ضوء مجموعة من البدائل بعضها أو جميعها، وتقوم فكرة التقويم البديل على الاعتقاد بأن تعلم الطالب وتقدمه الدراسي يمكن تقويمها بوساطة أعمال ومهام تتطلب انشغالاً نشطاً، مثل البحث والتحري في المشكلات المعقدة، والقيام بالتجارب الميدانية، والأداء المرتفع، هذه الطريقة لتقويم أداء الطالب تعكس تحولاً من النظرة الإرسالية للتعلم إلى النظرة البنائية.
والتقويم البديل هو "استخدام الأساليب غير التقليدية في الحكم على إنجاز الطالب وأدائه".
ويشتمل التقويم البديل على حقائب تقويمية وتقويم ذاتي، وهو يركز على ما اكتسبه الطالب بصورة فعلية بعيداً عن الحفظ والاستذكار، وتشجع على طرق مختلفة من مستويات التفكير العليا، مثل التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، التي تزيد من مستوى الدافعية عند المتعلمين نحو التعلم، وتزيد من ثقة المتعلمين بأنفسهم بحيث يصبحون فاعلين في مجتمعهم، وإنه على المؤسسات التعليمية تبني الاختبارات مرجعية المحك التي تركز على مستويات الإتقان في التعلم بدلاً من التركيز على مقارنة الطالب بزملائه، وبذلك تحقق هذه المؤسسات مستويات عالية من التميز، وكذلك لابد من تدريب المعلمين في المدارس وأعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات على التقويم بالمشروعات والتقويم الإلكتروني وغيرها من أساليب التقويم الحديثة، والاستفادة من مميزات كل منها، عندئذ يمكن الوصول إلى تقويم متميز.
وفي ضوء ما عرض إنني أضع لكم مجموعة من التوصيات التي قد تفيد التربويين وصانعي القرار في تحسين وتطوير عملية التقويم لتواكب التطورات في التعليم، وهي على النحو التالي:
1. تطوير أساليب التقويم المتبعة حاليّاً في المؤسسات التعليمية والتي تعتمد على الاختبارات، والاستعاضة عنها بأساليب التقويم البديل وصوره المختلفة.
2.إطلاع المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية على المستجدات الحديثة التي تطرأ على الميدان التربوي، لاسيما في مجال التقويم.
3-تنويع أساليب التقويم بما يناسب طبيعة وخصائص كل مرحلة من مراحل التعليم المختلفة.
4.عمل دورات تدريبية للمعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية في إعداد الاختبارات المرجعية المحك في المواد الدراسية المختلفة.
5. تبصير المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية التقويم بالمشروعات، والاستفادة من مميزاته.
6. تدريب المعلمين وأعضاء الهيئات التدريسية على البرامج التطبيقية للحاسوب، والاستفادة من مميزات التقويم الإلكتروني.
7.تطوير المقررات الدراسية، وبصفة خاصة مقررات القياس والتقويم النفسي والتربوي، التي يدرسها طلاب كليات التربية (معلمو المستقبل) بحيث تواكب التطورات العالمية المعاصرة.