فلسطين أون لاين

​بناء الإنسان

...
بقلم / زهير ملاخة


يُعد الإنسان على مدار الحضارات هو مرتكز وجودها وسبب نهضتها وعصب تطورها ولذا كان لابد من العمل جاهدا على إحياء وعيه بدوره ورسالته وتوثيق علاقته بذاته وإمكاناته والعمل على تطويرها دون أن تنتابه مشاعر الاغتراب أو الاستسلام لضنك و ظروف الحياة.

فمن الطبيعي ومن الفطرة ألا يهمل الإنسان ذاته وأن يكون ذات رأي ومكانة وحضور وأثر فلا يقبل الخمول أو الضعف أو التيه والتبعية بشكل أعمى للغير دون أي أثر أو رأي.

ولذلك لا بد أن يكون هناك توجه لزرع ثقافة النهضة بالإنسان بعقله وفكره ووعيه وذاته وخصوصيته وتحقيق الفهم الصحيح لمعنى الحريات والعمل الجماعي والانتقاد وتبادل الأدوار والإبداع والاختراع والتطور بكل مناحي الحياة ولفظ كل معاني وسياسة تمرير الاستعباد والتبعية السلبية وانعدام الذات والرؤية وأن نكون بيد الآخرين أدواتٍ طيعة لا أكثر .

ولأن الإنسان هو محور بناء كل شيء لابد من العمل الذاتي والجماعي للإيمان بذلك والعمل على تنمية قدراته وتطوير شخصيته بجوانبها المختلفة والارتقاء بقدراته ومهاراته لمواجهة متطلبات الحياة المختلفة بقوة وجدارة لا بضعف وانهزام وضياع .

ولتحقيق ما سبق لابد من الاهتمام بركائز أساسية من خلالها يؤمن الإنسان بدوره ورسالته ويحقق الولاء لذلك ويحافظ على فطرته واعتداله وحسن تصرفه وشكل علاقاته وإدارة أدواره وأهمها أن يكون ذات رؤية يرسم لنفسه تصورا ورؤى وأدوارا يجب أن يسعى إليها وأن يكون ذات قيم يستند إليها ويجد نفسه من خلالها ومن ثم يجب أن يجمع بين العلم والعمل ليتحقق النفع الطيب.

ولأن الدين الإسلامي والفطرة الإنسانية تدعم ذلك النحو من حياة الإنسان في تطوره واحترام وتشكيل ذاته وفق معايير تعلي من قدره وتكرمه بين الخلائق هذا يدفعنا للحفاظ على ذلك الدور الأساسي وعدم قبول غيره؛ وهذا يلزمنا بأشياء يجب مراعاتها ومنها:

- الحفاظ على الفطرة القائمة على التمييز والتكريم الإنساني بين الخلائق .

- بناء الذات على منظومة قيم تعزز من أصالته ونظرته لذاته والآخرين وتقدر معاني الكرامة والعطاء وعزة النفس وخصوصية كل إنسان.

- تقدير معاني التعاون والعطاء والانتقاد البَّناء والتقبل.

- الفهم العميق لمعاني الحرية وحدودها والمِلك الخاص والعام .

- السعي الدائم للتزود بالثقافة والعلم والاطلاع واتساع مساحة العقل في التفكير والتقدير والتمييز وبُعد النظر .

- الحفاظ على الهوية المجتمعية من عادات وتقاليد وثقافة تعزز دور الإنسان بمجتمعه .

- عدم التسليم الأعمى لسلطة جماعة أو تعاليمها والتي تقتل روح الإبداع والتمييز والتفكير وتودي بالإنسان إلى السلبية والذوبان الكامل فيها .

- التعود التربوي في التنشئة في صقل الشخصيات وبناء العقول على احترام ذواتهم وتقديرها وعدم قبول أو السماح بإهمالها أو التقليل من شأنها.

- التربية الدائمة على الحوار وإبداء الرأي وتقبل الآخرين بسماحة ورحابة دون تذمر .

- الترفع عن معاني المصلحة والأنانية التي تضيع حقوق الآخر أو الصمت السلبي و التكاسل المميت للذات .

- تقدير معاني المسئولية الجماعية والسعي الدائم لإبرازها .

هذه الأمور وغيرها لابد من استحضارها كي نصنع إنسانا وأجيالا يكون لها إسهام في بناء فلسفة مجتمع وحضارة براقة تبني العقول والأوطان وتعمل للغير وللجميع أكثر من أن يعمل الفرد لنفسه وهذا ما نسعى إليه من أجل مجتمع يعتمد على ذاته ويبني نفسه ولنا من التاريخ نماذج يتباهى الإنسان فيها بالإنسان كالحضارة الاسلامية بعصورها وبعض نماذج الدول التي بناها الإنسان بإصراره وعزمه كاليابان وبهذا نصل بالإنسان لتزكية نفسه والعمل على الارتقاء بها وإحياء وعيه برسالته ودوره الحقيقي في الحياة .