تشهد الساحة الفلسطينية في قطاع غزة حالة من التصعيد غير المسبوق، بدأت بقصف جيش الاحتلال مواقع للمقاومة الفلسطينية وأهداف مدنية أخرى في مختلف محافظات القطاع الخمس.
وأعلن جيش الاحتلال قصفه أكثر من 40 هدفاً قال إنها لحركة حماس في قطاع غزة، غير أن الواقع يقول إن العشرات من تلك الأهداف هي أراضٍ زراعية خالية وقليل منها مواقع تدريب للمقاومة.
فصائل المقاومة الفلسطينية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد، حيث أطلقت العشرات من القذائف الصاروخية صوب المستوطنات المحاذية للسياج الأمني الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48 ضمن "معادلة القصف بالقصف"، لكن ذلك يترك تساؤلاً مهماً، بشأن إذا ما كانت كرة اللهب بين المقاومة و(إسرائيل) ستتدحرج إلى مواجهة واسعة.
ويرى مراقبون، أن الطرفين (المقاومة الفلسطينية والاحتلال) لا يريدان الانجرار نحو مواجهة واسعة وشاملة في الوقت الراهن، لكنهم لم يستبعدوا في الوقت ذاته خروج الوضع عن السيطرة وصولاً لحرب عدوانية.
المختص في الشأن الإسرائيلي د. مأمون أبو عامر، يرى أن ما يجري الآن في القطاع يأتي ضمن جولة ساخنة في حدود قواعد الاشتباك المعلومة لدى الطرفين.
وأوضح أبو عامر لصحيفة "فلسطين"، أن الطرفين لا يزالان يضربان أهدافاً محدودة لا تؤدي إلى مواجهة شاملة، قائلاً: "نحن الآن في مرحلة تمكن من السيطرة على زمام الأمور، خاصة مع تدخل الطرف المصري بصفته الراعي لاتفاقيات التهدئة".
لكن أبو عامر لم يستبعد الانجرار نحو مواجهة شاملة في أي جولة تصعيد جديدة.
وتوقف القصف الإسرائيلي مساء أمس، عند الساعة الثامنة بعد اتصالات مصرية ودولية شملت سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة التي قالت إنها لن تتخلى عن "معادلة القصف بالقصف".
وعدّ أبو عامر تهديدات الاحتلال عبر الإعلام ليست مقياساً للذهاب نحو مواجهة عسكرية مع قطاع غزة، مشيراً إلى أن التهديد باستعمال القوة لا يعني بالضرورة استخدامها "فلا تزال هناك مسافة تفصل بين الطرفين عن مرحلة اللاعودة عن خيار الحرب".
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في عُمان د. هاني البسوس: لا أحد يريد الحرب، ومن الصعب التنبؤ بها "لكنها هي من تفرض نفسها كل مرة"، وفق قوله.
ورأى في تغريدة عبر حسابه الشخصي على "فيسبوك"، أن احتمال المواجهة العسكرية المفتوحة يزداد، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي على القطاع.
وأضاف: "قد تكفي الرسائل العسكرية على طرفي الحدود مع قطاع غزة وفي وسط القطاع في تثبيت حالة مؤقتة من قواعد الاشتباك، وتتبعها حالة من الهدوء الزائف، لكن المواجهة قد لا تكون بعيدة زمنيا".
وعلّق على قصف مبنى الكتيبة غرب مدينة غزة والذي أسفر عن استشهاد طفلين وآخرين، وقوبل بانفجار قذيفة فلسطينية في مستوطنة سديروت "أنها رسائل عسكرية قوية تجاوزت قواعد الاشتباك الحدودية".
إلى ذلك، رأى الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم المدهون، أنه من المبكر الحديث عن حرب ومواجهة عسكرية مفتوحة, قائلاً: "نعيش اليوم مرحلة عض الأصابع، من يصرخ أولا سيخسر, قد تفلت الأمور في حال وقع خطأ بقتلى أو شهداء".
وبيّن المدهون، أن المقاومة ستستمر في معادلة القصف بالقصف "والاحتلال سيحاول تقليص المواجهة بقدر المستطاع, والنتيجة أن الحصار لن يجلب الهدوء أو الاستكانة".
وأوضح أن الشعب الفلسطيني أمام فرصة لتهدئة طويلة الأمد, وفي الوقت نفسه أمام مخاطر حقيقية لحرب لا تحمد عقباها، وفق تقديره.