أيخون الإنسان وطنه؟ أنا لا أخون. كان هذا مضمون رد أحد ركاب "سفينة الحرية 2" على محقق إسرائيلي، عندما حاول الأخير أن يغويه بالمال.
الثلاثاء الماضي، أبحرت السفينة وعلى متنها تسعة أشخاص من الطلاب والمرضى قرروا اتخاذ هذه الخطوة للتمكن من السفر إلى خارج قطاع غزة، الذي تفرض عليه (إسرائيل) حصارا مشددا منذ 12 سنة.
عند العاشرة صباحا انطلقت السفينة نحو وجهتها، وهي ميناء "ليماسول" بجزيرة قبرص، وكان من بين الشبان علي أبو عطايا (23 عاما)، الذي تراوده أمنية الوصول إلى تركيا لإكمال دراسته والحصول على درجة الماجستير، لكنه لم يتمكن من مغادرة القطاع بسبب الحصار.
رغم النتيجة المتوقعة سلفا، وهي قرصنة السفينة، صمم المحاصَرون على ركوب البحر، وردا على سؤال بهذا الشأن، يقول أبو عطايا لصحيفة "فلسطين": "طالعين ومتوكلين علىربنا".
كان أبو عطايا سجّل اسمه للسفر بحرا، في خطوة ترمز أساسا لكسر الحصار المفروض على القطاع، وبالفعل انضم إلى ركاب السفينة.
بعدما قطعت السفينة نحو ستة أميال بحرية (11.1 كلم)، اتجه نحوهم قارب إسرائيلي صور الركاب وذهب، قبل أن تطاردهم أربعة طرادات، وتعتقلهم.
تعرض الشبان الغزيون إلى الشتائم لا لشيء سوى لكونهم فلسطينيين من غزة، فيما يعد في القانون الدولي سلوكا عنصريا بحد ذاته.
كبّل جنود الاحتلال أيدي الشبان الغزيين، واقتادوهم –بحسب أبو عطايا- إلى موقع عسكري بعد ميناء أسدود داخل الأراضي المحتلة عام 1948م، وفور وصولهم طلب منهم الجنود خلع ملابسهم تمهيدا لتفتيشهم، ثم واجهوهم بعناصر مخابرات الاحتلال.
باشرت هذه العناصر بالتحقيق مع الشبان، وسألتهم عن كيفية التنسيق والخروج في هذه الرحلة البحرية.
وإذا كان قائد السفينة قد تعرض للضرب على يد جنود الاحتلال، فإن جميع الشبان كانوا يتعرضون للاستفزاز من قبلهم.
أبو عطايا، الذي درس المحاسبة، يفيد بأن عناصر مخابرات الاحتلال عملوا على إغواء الشبان عبر عرض العمل معهم وتزويدهم بمعلومات تخص حركة حماس، مقابل سيارة وفيلا وما شابه، لكنهم رفضوا.
ورد أبو عطايا على ضابط الاحتلال، بقوله إنه لا يخون بلده وأبناء شعبه.
وأبقت سلطات الاحتلال على قائد السفينة ومساعده رهن الاعتقال، بينما أفرجت عن الباقين عبر حاجز بيت حانون شمال القطاع، وهو الحاجز الذي لا يتمكن أحد من مروره دون إجراءات مشددة ويكاد يكون التنقل عبره مستحيلا على الغزيين.
وكان هؤلاء الشبان مكبلي الأيدي والأرجل لدى عودتهم إلى القطاع، الذي يشبهه مسؤولون دوليون بسجن كبير، لوقوعه تحت الحصار.
وسبق أن أطلقت هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار عن غزة، السفينة الأولى لكسر الحصار من ميناء غزة، بتاريخ 29 مايو الماضي، لكن اعترضتها أيضًا بحرية الاحتلال واقتادتها إلى ميناء أسدود.
قرصنة محرمة
ويقول مدير مركز الدفاع عن الحريات حلمي الأعرج، ما جرى هو قرصنة بحرية محرمة قطعا بالقانون الدولي الذي ينظم العلاقة بشأن البحار، ولذلك الاحتلال يمارس عملية القرصنة في المياه الإقليمية وهذا مخالف للقانون الدولي، ثم يمارس الابتزاز والضغط على المواطنين للتعامل معه وهذا بحد ذاته جريمة حرب وفق ميثاق روما، وتندرج هذه الجريمة ضمن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية.
ويوضح الأعرج، لصحيفة "فلسطين"، أن الاحتلال يعرف جيدا أن العالم يراه وهو يمارس هذه القرصنة البحرية، كما فعل مع أساطيل الحرية سابقا، وكل السفن التي تأتي من أرجاء العالم لكسر الحصار المفروض على القطاع، لكنه لا يجد من يسائله أو يحاسبه.
لكن توثيق هذه الجرائم ضرورية لأنه لابد من أن يأتي وقت لمحاسبة ومساءلة الاحتلال على كل هذه الجرائم، بحسب الأعرج.
وفي 2016 قرصنت قوات الاحتلال سفينة "زيتونة" النسائية التي كان على متنها 13 متضامنة، واقتادتها إلى ميناء أسدود داخل الأراضي المحتلة عام 1948، ومنعتها من الوصول إلى قطاع غزة لكسر حصاره.
وكانت قوات الاحتلال منعت في 2015 أسطول الحرية الثالث، الذي كانت تقوده السفينة (ماريان) السويدية، وعلى متنه نحو 70 ناشطًا من عشرين دولة، بينهم الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي؛ من الوصول إلى قطاع غزة.
كما أن جيش الاحتلال هاجم من البحر والجو، أسطول الحرية الأول الذي انطلق نحو القطاع في مايو/ أيار 2010، وكانت تقوده سفينة (مافي مرمرة) التركية، ما أدى إلى استشهاد تسعة ناشطين وإصابة آخرين بجروح، فيما استشهد الناشط العاشر الذي كان في غيبوبة في مايو/ أيار 2014.
ويذكر الحقوقي، بأن الحصار يندرج في إطار العقوبات الجماعية التي تمس بحقوق مليوني إنسان من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال، ومنهم الطلبة والمرضى، وتحرمهم الغذاء والدواء وحرية الحركة والسفر والعمل، ما يعد جرائم حرب تنتهك القانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق التعليم المكفول في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ويشير الأعرج إلى أن الغزيين محرومون من كل هذه الحقوق بسبب ممارسات الاحتلال وجرائمه وحصاره المتواصل لقطاع غزة.
ومن المقرر أن تصل سفينتا كسر الحصار الدوليتان "عودة" و"حرية" إلى القطاع أواخر الشهر الجاري، إذا لم تعترضهما قوات الاحتلال، لكن حتى وإن تم اعتراضهما، فإن تحالف أسطول الحرية يؤكد أن هذه التحركات البحرية تحقق أهدافا منها فضح الحصار، وكسره رمزيا، وعدم الخضوع لسياساته.