في الوقت الذي يدور الحديث فيه عن مباحثات دولية لتخفيف الحصار الإسرائيلي عن غزة على وقع عقوبات السلطة الفلسطينية، جاء قرار الاحتلال القاضي بمنع إدخال معظم السلع إلى القطاع عبر البوابة الاقتصادية الوحيدة معبر كرم أبو سالم التجاري؛ ليكون ذلك بمثابة "صب الزيت على النار" في ظل عدم احتمال القطاع أي تشديد جديد.
ويأتي القرار الإسرائيلي مع استمرار العقوبات التي تفرضها السلطة على غزة بخفض رواتب موظفيها بنسبة 30-50%، وتقليصات على الصحة والكهرباء والمياه، فضلا عن إحالة أكثر من 26 ألف موظف عسكري إلى التقاعد "القسري".
وقال مختصون لصحيفة "فلسطين"، إن قرار الاحتلال لا يمكن تفسيره إلا أنه ضغط سياسي كبير يمارس على غزة وبالأخص على حركة حماس، سيقود إما لجولة جديدة من التصعيد إن استمر الوضع على ما هو عليه، أو أنه حلقة أولى من حلقات الارتباط التجاري بين غزة ومصر وفك الارتباط مع الاحتلال.
ضغط كبير
الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، يقول إن عقوبات السلطة على غزة وإجراءات الاحتلال الجديدة بإغلاق كرم أبو سالم واقتصاره على المواد الغذائية والطبية ليست جديدة على القطاع الذي يعاني منذ 12 عاما من الحصار الذي يشتد أحياناً ويخف في أخرى.
وأضاف الصواف لصحيفة "فلسطين" أن الاحتلال يمارس ضغطا كبيرا على حماس من خلال الضغط على المواطنين حتى يثور هؤلاء بوجه الحركة، وهو نفس الهدف الذي تسعى إليه السلطة، موضحاً أن المسألة تحتاج إلى حنكة في التعامل مع المواقف، وأن صبر المواطنين هو مفتاح العلاج لتجاوز المرحلة.
وذكر أن الاحتلال أرهق بشكل كبير بفعل الطائرات الورقية، وهو يحاول بكل الوسائل والطرق إيقاف هذه الأفعال التي تكبده خسائر كبيرة، ويريد إنهاء مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار على الأقل في هذه الفترة، لذلك يهدد باستخدام سياسة "العصا والجزرة".
ويعتقد الاحتلال من خلال إشهار العصا بوجه غزة، والكلام للصواف، أن إغلاق كرم أبو سالم إجراءات تكتيكية وليس حقيقية نظراً لأن درجة الاختلاف كبيرة بين قيادات الاحتلال، وأنه إذا استمر الأمر على ما هو عليه سيكون هناك انفجار، لن يتوقف عند حدود القطاع بل قد يشعل المنطقة الإقليمية.
وقال الصواف إن الانفجار معناه الحرب ضد الاحتلال والمحاصرين لقطاع غزة، لأن الفلسطينيين في القطاع أمام خيارين إما الموت وهم يقاتلون أو الموت جوعاً، مشيراً إلى أنه لم يبق أمام غزة سوى المواجهة إذا استمر الحصار، ففي النهاية لن يستسلم الشعب الفلسطيني.
ويفسر الصواف إعلان تشديد الحصار من قبل الاحتلال في وقت تم الحديث فيه عن مباحثات لتخفيف المعاناة الإنسانية، بأن كل الأحاديث حول التسهيلات هي "لذر الرماد في العيون"، وأنه إن كان جزءاً منها يلامس الحقيقة إلا أنه يقابله أثمان سياسية كبيرة، ولا يوجد فلسطيني حر يمكن أن يساوم على لقمة عيشه.
ولفت إلى أن كل محاولات الضغط على غزة لدفع الناس للثورة على حماس على مدار 12 عاما فشلت، وسيفشلون في كل المخططات التي يسعى إليها الاحتلال والسلطة، مشددًا على أن السيناريوهات والخيارات باتت ضئيلة وأن على الشعب الصمود بوجه كل الإجراءات، لأن المطلوب الاستسلام الكامل للاحتلال لتحقيق ما يريد.
غزة بين سيناريوهين
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر بغزة د. مخيمر أبو سعدة، يعتبر إغلاق الاحتلال معبر كرم أبو سالم هو بمثابة "صب الزيت على النار" لأن الوضع في غزة مأساوي بكل معنى الكلمة، وهذه العقوبات الجديدة ستنقل الأوضاع من سيئ لأسوأ.
ويعتقد أبو سعدة في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن الفلسطينيين أمام سيناريوهين، الأول: هو أنهم مقبلون على جولة تصعيد جديدة مع الاحتلال، والثاني: دفع قطاع غزة للتبادل التجاري مع مصر، وأن يكون قرار الاحتلال أول مراحل فك الارتباط الاقتصادي بينه وبين غزة.
ويرى أن السيناريو الأول يمكن حدوثه اليوم، لأن الأوضاع الحالية مشابهة للأوضاع قبل حروب أعوام (2008) و(2014)، خاصة أن الأوضاع تزداد سوءاً في غزة خلال الأشهر الأخيرة، وواضح أن الهدف منها حشر حماس بزاوية الحصار والعزلة.
وفي هذا السياق، لا يستبعد مع استمرار هذه الأوضاع خروج فصائل المقاومة عن صمتها وإطلاق صواريخ من غزة، لأنها لن تقبل باستمرار الوضع الحالي.
أما فيما يتعلق بالسيناريو الثاني وعوامل تحققه، يعتقد أبو سعدة أن إغلاق معبر كرم أبو سالم مقدمة للتخلص من عبء غزة وجعلها جزءاً من مشاكل واقتصاد مصر، مما يدفع القاهرة للسماح بفتح معبر رفح لمرور بعض البضائع للتخفيف من معاناة غزة.
وقال إن مصر في النهاية لا تريد أن تتهم بأنها جزء من الحصار ومشارِكة للاحتلال كما اتهمت سابقاً بسبب إغلاقها المعبر، كما أنها لا تريد انجرار القطاع لتصعيد جديد مع الاحتلال، وأنها تدرك أن السلطة ومحود عباس لن يتراجعا عن العقوبات إلا وفق شروطهم بالتسليم الأمني والمدني وتسليم السلاح، وفق اعتقاده.