لقي فيلم وثائقي من جزأين بعنوان "النكبة" بثته قناة العربية الفضائية، انتقادات مراقبين، رأوا أنه يغير حقيقة الأحداث التاريخية لصالح الاحتلال الإسرائيلي.
وفي تعليقها على الفيلم الذي نشرته عبر موقعها الإلكتروني، قالت القناة إن الوثائقي "يعيد صياغة قصة ولادة (إسرائيل) كما يراها العرب والإسرائيليون، من خلال نص خال من الأيديولوجية أو التحزب، كما أنه يعيد النظر في اللحظات الرئيسية في هذا الفصل من القرن العشرين عبر شهادات ومقابلات مع شهود عيان ومؤرخين من كلا الجانبين، مدعومة بصرياً بصور أرشيفية اكتشفت حديثاً"، على حد تعبيرها.
لكن الناقد الفني ورئيس منتدى الفن الفلسطيني سعد اكريّم، استهجنن إنتاج قناة عربية وتحمل اسم "العربية" فيلماً وثائقياً يتبنى الرواية الصهيونية في تأصيل وتبرير حق الاحتلال في أرض فلسطين، وتركيزه السيناريو على استدعاء المظلومية التي تعرض لها اليهود على يد الألمان وما اصطلح عليه "الهولوكوست"، وتمرير ذلك من خلال كم كبير من الصور التي تستدعي معاني الإنسانية وتعزز التعاطف مع اليهود، مشيراً إلى أن هذا الخط الإنساني خطير ومؤثر في وجهات النظر وتشكيل المفاهيم لدى الجماهير.
وأضاف اكريم لصحيفة "فلسطين"، أن كم المقابلات المستخدمة والمحددات التي تم الحديث بها تدعم بقوة أن العرب والفلسطينيين تعاملوا بهوجاء وغوغائية وخشونة مع شعب مضطهد تعرض لمجازر، فأعلنوا الحرب وبدأوا الصراع مع اليهود، دون أن نرى مقابلة واحدة تستدعي الحق القانوني للفلسطينيين في أرضهم والبعد الإنساني في أخذ حقوق وأرض شعب لشعب آخر، من أجل حل مشكلة اليهود في أوروبا على حساب حق الشعب الفلسطيني.
واستغرب غياب التأصيل القانوني للرواية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني المكفول بالقوانين الدولية في مقاومة هذا الاحتلال، فالشعب الفلسطيني يدافع عن حقه في رد فعل وليس كما يصور سيناريو الفيلم أن الفلسطينيين والعرب هم من بدأوا فعل الاعتداء على اليهود.
وشدد على أن هذا الإنتاج الموجه هو إنتاج تم بفلسفة الصناعة الصهيونية من الفكرة وحتى السيناريو والإخراج، وكذلك بتمرير وتوفير عرضه على قناة نرى أنها تتبنى الخط الصهيوني على حساب الحق الفلسطيني.
وطالب قناة العربية بالاعتذار للشعب الفلسطيني وللأمة العربية عن عرض هذا الفيلم المشبوه، خاصة في ظل التطورات الأخيرة والخطيرة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وما يعرف بـ"صفقة القرن"، وحق (إسرائيل) بدولة يهودية في أرض فلسطين.
أما الباحث في قضايا الدعاية والإعلام حيدر المصدر، يرى أن الدور الإعلامي الذي تقوم به القناة "يصب في مجرى خدمة الأجندة السياسية الجديدة في المنطقة والتي تتبناها بعض الدول العربية، التي تحاول شرعنة العلاقة مع (اسرائيل)، وهو الأمر الذي عبر عنه الفيلسوف نعوم تشومسكي في كتابه صناعة الإجماع، حول الدور الوظيفي لوسائل الإعلام التي تخدم أفكار أو أجندات سياسية"؛ وفق قوله.
ويضيف المصدر لصحيفة "فلسطين"، أن إفراد مساحة تزيد عن الساعة والنصف للحديث عن نشأة الاحتلال هو "باختصار ممارسة ناعمة تحاول تمرير أفكار لتطويع العقل العربي باتجاه قبول (إسرائيل) من مدخل عاطفي".
ويفسر بأن "تركيز الفلم على الجانب الإنساني، وسرده وقائع النشأة بلسان إسرائيليين بمواصفات عادية، مع لمسة تمنح انطباعاً بالمعاناة، يحفز لدى المشاهد حالة عاطفية تدفعه إلى التوحد معها، وبالتالي تحفيز مشاعر التعاطف بطريقة تخديرية محترفة".
ويتساءل المصدر حول "حقيقة إعداد قناة العربية للفيلم، وما إذا كانت مجرد ناقل وعارض للمحتوى"، قائلاً: "وزارة الشؤون الاستراتيجية والمعلومات الإسرائيلية بالتوازي مع مؤسسات وهيئات حكومية ومستقلة إسرائيلية، تقوم مؤخراً على إعداد هكذا مواد وبثها من خلال مؤسسات إعلامية كي تخدم مساعي دعائية متنوعة".
من جهته، اتهم أستاذ العلوم السياسية في الجامعات الفلسطينية د. عبد الستار قاسم، القناة بأنها "تشوه التاريخ"، مطالباً باتخاذ موقف منها عبر عدم استجابة قادة الفصائل لإجراء مقابلات معها.
ويضيف قاسم في حديث مع صحيفة "فلسطين"، أن على القناة إعداد برنامج آخر تستضيف فيه أكاديميين يهتمون بالأمة العربية والشعب الفلسطيني ليردوا على ما قيل.
ويتابع: "أما أن تترك الأمور للذين يشوهون التاريخ ويناصرون هذا التشويه ويسعون وراء مصالحهم ولديهم الاستعداد لبيع الوطن العربي من أجل هذه المصالح، فهذا غير مقبول".
ويتساءل مراقبون، عما إذا كانت القناة سألت على سبيل المثال الشاعر الإسرائيلي حاييم غوري الذي ظهر في الفيلم، عن اعترافات سابقة له بأنه شاهد زملاء له من "لواء المظليين" يقومون بقتل عجائز احتموا بمسجد مدينة بئر السبع في تموز 1948، مؤكدين جزمهم أنها لم تفعل ذلك.