فلسطين أون لاين

​السكن في الشوارع المزدحمة.. فوضى قاتلة للراحة والهدوء

...
صورة أرشيفية
غزة - هدى الدلو

لم يتمهل عبد الرحمن قاسم جيدًا في التفكير حين قرر السكن هنا؛ فقد أغراه الموقع الاستراتيجي للبيت الواقع في منطقة الرمال خاصة وأنه على شارع رئيسي، بالإضافة إلى حالة الكلل والملل التي وصل إليها أثناء البحث عن بيت مناسب.

فقد أراد بيتاً ليس بعيدًا عن المرافق العامة كالمنشآت الصحية، والمدارس من أجل الأبناء، والسوق لقضاء الحاجة، والمسجد وغيرها الكثير، فذلك من شأنه أن يوفر عليه الكثير من الجهد والتعب حسب رأيه.

يقول قاسم (25 عامًا): "في السابق عندما كنا نقطن في بيت العائلة في شارع فرعي، وحين كنا نمر في الشوارع الرئيسية نعتقد للوهلة الأولى أنها حيوية، وتضفي لمسة جميلة على الحياة، وتقتل حالة الملل والروتين، ولكن بعد مرور فترة على العيش في المناطق المزدحمة وخاصة أنها تجارية ثبت لنا العكس مع الأسف".

وأضاف: "تبين لنا بعد مرور عام أننا انتقلنا من جنة الهدوء إلى جحيم الضجيج والصخب، الذي يؤثر على الجميع بلا استثناء؛ الصغير منهم قبل الكبير، والسقيم قبل المعافى، فلا مجال للراحة والهدوء والاستقرار، أو حتى الدراسة والتركيز، بمعنى آخر يكتشف الإنسان أنه أوقع نفسه في ورطة".

فصوت السيارات والبائعين والمشترين لا سيما فترة الأعياد، ووجود المحال التجارية بين البيوت السكنية يجعلهم يعيشون يومياً في حالة زحام وحالة من الإزعاج اليومي، وهم من ينشدون الهدوء والراحة، رغم أهمية وجود الخدمات.

رغم حيويتها

بينما اعتبرت أم بشير سعدي أن المنطقة التي تسكن فيها مزعجة رغم حيويتها باعتبارها مطلة على شارع رئيسي من شوارع مدينة غزة، وخاصة أنها قريبة من مجمع الشفاء الطبي، فهي بؤرة غزة، إلا أن أهمية الموقع وجماله يذهبان في لحظة هدوء وراحة يتمناها الشخص في بيته.

وقالت: "رغم أني أعيش في هذا البيت لأكثر من 15 عاما إلا أنه في لحظة من اللحظات شعرتُ باكتئاب بسبب إزعاج صوت السيارات، خاصة أن المحلات التجارية التي تغلق أبوابها في وقت متأخر، ناهيك عن أصوات آلات الماكينات في المخبز المجاور وصوت العمال".

وأوضحت سعدي أن هذه الأصوات وغيرها تُسبب لها شعورا قاتلا للراحة والهدوء، إلى درجة أنها تتقيد في تحديد أوقات نوم أطفالها في ساعات النهار في الفترة التي تشعر فيها بنوع من الهدوء لتضمن نوما هادئا لهم دون إزعاج، هذا عدا عن الغبار الذي يتسبب لها في وسواس التنظيف، والهواء غير النقي من عوادم السيارات والمولدات الكهربائية.

فوضى وإزعاج

أما ريم عبد الله والتي انتقلت للعيش في بيت آخر يطلّ على شارع تجاري وهو شارع صلاح الدين، ولكنها لم تستطع تحمل إزعاجه وضوضائه من السيارات والشاحنات المحملة بالبضائع، كما أنها ليس لها موعد محدد، فهناك بضائع تنقل بعد أذان الفجر، وأخرى في وقت العصر وفي آخر الليل.

وقالت: "اضطررتُ إلى تركه خاصة أني في البيت القديم كنت متأقلمة على الهدوء والراحة، وبحثت عن بيت آخر، فلا راحة في الليل ولا حتى خلال النهار، كما أن بيتي يحتاج إلى تنظيف بشكل دائم بسبب غبار السيارات".

وبينت عبد الله أنه في مثل هذه الأماكن من الصعب التعود عليها والتأقلم، فيصاب المرء بصداعٍ يومي بسبب ضجيج الشوارع والأماكن المزدحمة، مشيرة إلى أنها كثيرًا ما كانت تتمنى في السابق أن تسكن في بيتٍ له إطلالة على الشارع الرئيسي مما يسهل عليها المواصلات، لكنها لم تكن تتوقع أن تكون بهذه الفوضى والإزعاج.

ومن الجدير بالذكر، أنه قد توصل باحثون كنديون إلى أن الأشخاص ممن يقطنون في أماكن مُطلة على شوارع مزدحمة، تزيد نسبة إصابتهم بالخرف، وقد أجريت الدراسة على مدى 10 سنوات على هواء تلك المناطق، ليجدوا أن تلوّث الهواء هو السبب في الإصابة بالخرف.

ووجد باحثون من هيئة الصحة الكندية في الدراسة التي أُجريت على 6.6 ملايين شخص، أن واحدة من بين كل 10 حالات وفاة كانت تُعزى إلى الأبخرة والضوضاء لأشخاص يعيشون على بعد 50 متراً من طريق مزدحم.

كما تشير الدراسة إلى أن الطرق المزدحمة يمكن أن تكون مصدرًا للضغوطات البيئية التي يمكن أن تؤدي إلى ظهور الخرف، وأمراض في الجهاز التنفسي والقلب، وقد أظهر بحث سابق أن الانبعاثات يمكن أن تسبب انكماشًا في المخ، كما أن تلوث الهواء يتسبب في وفاة 40 ألف شخص في بريطانيا سنويًا.