عادت التهديدات "القديمة الجديدة" لقيادات السلطة الفلسطينية بتحديد العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي تطفو على السطح، بعد مصادقة "الكنيست" الإسرائيلي على مشروع قانون يقضي بخصم مخصصات ذوي الشهداء والأسرى من أموال الضرائب الفلسطينية.
ويبقى التساؤل، متى ستترجم السلطة في رام الله تهديداتها على أرض الواقع؟ وهل التهديدات الجديدة شكلية أو حقيقية؟ وما الخيارات التي تمتلكها السلطة لمواجهة القرار الإسرائيلي؟
وكان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، قال خلال مؤتمر صحفي، أول من أمس، إن السلطة تدرس تحديد العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الاحتلال، ردًّا على إقرار "الكنيست" قانون خصم أموال الضرائب الفلسطينية.
فيما قال رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة، حسين الشيخ، إن هناك تداعيات أمنية واقتصادية وسياسية لقرار اقتطاع مخصصات الأسرى والشهداء وأن كل الخيارات مفتوحة أمام السلطة للتصدي لها.
والاثنين الماضي، صادق "الكنيست" الإسرائيلي، بشكل نهائي، على مشروع قانون يسمح باقتطاع جزء من عائدات الضرائب الفلسطينية، بالقيمة نفسها التي تدفعها السلطة لذوي الشهداء والأسرى.
لا تستغلّ الفرص
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي عمر عساف، أن تصريحات قيادات السلطة بشأن تحديد العلاقة مع الاحتلال هي مجرد ردة فعل ليس أكثر على قرار احتجاز مخصصات الأسرى والشهداء.
وقال عساف لصحيفة "فلسطين": إن الاحتلال أقدم على قرارات واعتداءات من شأنها أن توفر للسلطة فرصًا ذهبية لتنفيذ قرارات سابقة بوقف "التنسيق الأمني"، وتحديد العلاقة مع الاحتلال.
وأضاف: لو كانت السلطة جادة بتصريحاتها فإن كل سياسات الاحتلال والولايات المتحدة أسباب وجيهة كي تتنصل من التزاماتها جراء الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، فالأمر متوقف على جدية السلطة في الاستجابة لمزاج الشارع الفلسطيني.
وتابع أنه من خلال التجارب السابقة، فإن هناك شكًّا أن تنفذ السلطة هذه التهديدات؛ لأن السلطة لم تبقِ أسبابًا للثقة في تصريحاتها بعد مضي سنوات على قرار المجلس المركزي عام 2015م بوقف التنسيق الأمني، وتحديد العلاقة مع الاحتلال الذي لم يطبق حتى اليوم.
وأشار عساف إلى أن الاحتلال لم يلتزم بأي من الاتفاقات الموقعة مع السلطة التي بدورها يجب أن لا تلتزم بها، مبينًا أن أي نتائج للقرار الإسرائيلي الأخير لن تكون أكثر من تبعات الاستيطان واقتحام الأقصى واعتبار القدس عاصمة للاحتلال.
وفي مارس/ آذار 2015، قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير، خلال اجتماعه في رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، وأوصى بتحديد العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية معه.
وعن خيارات السلطة لمواجهة القرار الإسرائيلي، أوضح عساف أن الخيارات واضحة بالاستجابة لإرادة الشعب وتوحيد الصف الفلسطيني، ورفع العقوبات عن قطاع غزة، ومغادرة نهج "أوسلو" الذي جلب الكوارث للفلسطينيين، لافتًا إلى أن الشعب ملَّ الحديث عن خيارات دون أن يكون لها ترجمة على أرض الواقع.
مكبلة بالاتفاقيات
أما أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت قرب رام الله، د. نشأت الأقطش، فقال إن السلطة وعلى مدار عشرين عامًا وهي تقول إنها تدرس وتبحث قطع العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف الأقطش لصحيفة "فلسطين"، أن السلطة لا تستطيع مواجهة قرار الاحتلال لأنها كبلت نفسها في اتفاقيات تسمح له بخصم أموال لاستحقاقات غير معروفة"، عادًّا أن تهديدات السلطة بالتوجه للمحاكم والقضاء الدولي منذ عام 2007م "بلا قيمة".
وأوضح أن هذه تصريحات قيادة السلطة هي "للاستهلاك المحلي فقط"، فهي ما زالت تواصل التنسيق الأمني، وتقدم معلومات أمنية خطيرة للاحتلال، قائلًا: "لم أرَ في تاريخ البشرية شعبًا يشرعن محتله كما فعلت السلطة التي قدمت له احتلال سبع نجوم وبلا تكلفة" وفق قوله.
واستدرك أن تاريخ الشعوب يقول إنه ما دام هناك محتلٌ يجب أن تبقى تطلق عليه النار مهما كنت قويًا أو ضعيفًا، فما دام هناك إطلاق نار لن يرتاح الاحتلال وسيأتي اليوم الذي يغادر فيه".
وأشار إلى أن غزة قالت للاحتلال "لا"، وذاقت الجوع على مدار 12 عامًا من الحصار، في المقابل تريد السلطة العيش ببحبوحة، وتمثل دور الدولة وتعيش بالرفاهية وتحمي الاحتلال وتأخذ الأموال منه ثم تريد أن تتحداه، فهذا لا يستقيم.
ومن وجهة نظر الأقطش، فإن السلطة ليس لديها إجراءات تفعلها إلا وقف الخدمات الأمنية المجانية المقدمة للاحتلال، مضيفًا: "يجب عليها الإقدام على هذه الخطوة وتحمل تبعات هذا القرار، فلا يمكن محاربة احتلال ونحن نمد أيدينا إليه"