لا يقتصر قرار رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بالسماح لأعضاء برلمان الاحتلال (الكنيست) والوزراء باقتحام المسجد الأقصى المبارك، مجددا، على السياسات العدوانية ضد الفلسطينيين ومقدساتهم.
ويرى مراقبون أن أهدافًا سياسية تقف خلف قرار نتنياهو أبرزها استثمار الرؤية الأمريكية حول مدينة القدس المحتلة ومقدساتها العربية والإسلامية، وقراراتها المتخذة في هذا الشأن؛ بهدف فرض وقائع تؤكد على "أحقية اليهود وملكتيهم للمكان" دون الفلسطينيين إلى جانب استقطاب اليمين الإسرائيلي المتطرف ضمانًا لالتزامه الخط الحكومي العام.
وذكر الصحفي في القناة العبرية الثانية "عميت سيغال"، أول من أمس، أن نتنياهو بعث توجيهات إلى رئيس الكنيست أعلن من خلالها السماح للنواب ووزراء حكومته باقتحام الأقصى، وذلك بعد أكثر من عامين على المنع الذي أصدره في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015.
وأوضح المحلل السياسي راسم عبيدات، أن نتنياهو أراد عبر هذا القرار استغلال حالة الدعم الأمريكي للكيان الإسرائيلي ورؤية الرئيس دونالد ترامب حول مدينة القدس، واستثمارهما للتأكيد على "أحقية اليهود في القدس".
وبين عبيدات لصحيفة "فلسطين"، أن نتنياهو لا يجد أمامه مفرًا إلا استغلال الفرص السياسية التي يمثلها الموقف الأمريكي تجاه القدس ومقدساتها، والتي عبر عنها جارد كوشنير مبعوث ترامب للشرق الأوسط، وقد قال في زيارته الأخيرة له للمنطقة: "إن (إسرائيل) مسؤولة عن القدس المدينة ومقدساتها".
وأشار إلى أن الإدارة الأمريكية جردّت الفلسطينيين سياسيًّا من حقوقهم في القدس، واختزلت وجودهم وسيطرتهم على مناطق وأحياء معينة في المدينة وذلك عبر ما يطرح في صفقة العصر "صفقة القرن" وهو أمر يشجع نتنياهو للبدء بخطوات عملية أكثر تجاه السيطرة على المقدسات والتي أبرزها المسجد الأقصى.
وفي رسالة داخلية رأى عبيدات أن نتنياهو يرى في السماح للنواب والوزراء امكانية إبقاء حالة الاستقطاب وسيطرته على اليمين الإسرائيلي المتطرف، والعمل على ضمان استمرار التزامه الخط الحكومي العام.
فيما رأى الخبير في شؤون القدس جمال عمرو، أن جميع المعطيات أمام طاولة "نتنياهو" مواتية لسيطرته الكاملة على المسجد الأقصى، دون أن يدفع مقابل ذلك ثمنا سياسيا أو أمنيا.
وذكر عمرو لصحيفة "فلسطين" أن العامل الأول الذي شجع "نتنياهو" لاستئناف النواب والوزراء، اقتحامهم للأقصى يتمثل في الموقف الأمريكي المتماهي مع المطامع الإسرائيلية، وكذلك الرؤية الأمريكية الجديدة النافية لأي حق فلسطيني في المدينة ومقدساتها.
واشار إلى أن "نتنياهو" يريد عبر قراره بضمان ولاء النواب والوزراء في ظل إمكانية "تخلخل" الائتلاف الحكومي، وقضايا الفساد التي تلاحقه منذ فترة.
واتفق رئيس قسم المخطوطات في المسجد الأقصى ناجح بكيرات، مع سابقيه، بأن حكومة الاحتلال تسابق الزمن مستغلة موقف ترامب وإدارته من القدس بهدف تغيير الوقائع، وصولًا لتنفيذ مخطط (القدس الكبرى أو مخطط 2020)، وذلك بهدف إحداث خلل ديمغرافي لصالح المستوطنين على حساب المقدسيين.
وشدد بكيرات لـ"فلسطين" على أن اقتحام الأقصى من قبل المستوطنين والنواب والوزراء خطوة على هامش السيطرة الكبرى على المكان، مشيرا إلى أن أهدافا سياسيا في ذات السياق يريد نتنياهو تحقيقها بإرساله رسائل لكل من يعنيه الأمر أن المكان لن يكون إلا مكانا تحت سيطرة (إسرائيل).
ولفت إلى أن سلطات الاحتلال تسعى وعبر اقتحامات النواب لجعل عملية الاقتحام شرعية وموافق عليها من أعلى جهة في (الدولة)، مؤكدًا أن هذه الاقتحامات يراد عبرها تحقيق عملية الإحلال الاستيطاني اليهودي البشري، وتقديم النواب كرموز للتشجيع على اقتحام الفئات الأخرى في المجتمع الإسرائيلي للأقصى.
تحذير فلسطيني
وفي السياق، حذرت حكومة الحمد الله من استمرار التصعيد الاحتلالي الإسرائيلي ضد المسجد الأقصى المبارك ومدينة القدس المحتلة.
وأدان المتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود، في بيان، أمس، قرار نتنياهو، مشددا أن تلك التصريحات والقرارات تعتبرتحريضاً سافراً وخطيرًاعلى مواصلةاقتحام الأقصى، وتشجيعاً على المساس بأقدس مقدسات العرب والمسلمين .
وقال: إن هذه الخطوة الاحتلالية الجديدة ما كان نتنياهو يجرؤ على ارتكابها بهذه العنجهية والصيغة المستفزة، لولا الانحياز الأميركي لسياسات الاحتلال وإجراءاته التعسفية الذي يقوده دونالد ترمب.
كما حذر رئيس اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم محمود إسماعيل، من تداعيات قرار نتنياهو وأبعادها على القدس والمسجد الأقصى.
ودعا إسماعيل، في بيان، أمس، المؤسسات الدولية والبرلمانات العالمية للتدخل من أجل وقف التدهور الأخلاقي والإنساني الذي يفرضه الكنيست عبر قوانينه الجائرة ومن خلال إرادة حكومته المتطرفة، وإلزامها باحترام قرارات الشرعية الدولية المتمثلة بقرار منظمة اليونسكو باعتبار المسجد الأقصى مكاناً خالصاً للمسلمين ولا حق لغيرهم فيه وهو تراث وحضارة إسلامية.