تشكل الاعتقالات السياسية بالضفة الغربية المحتلة تناقضاً بين سلوكين، الأول ادعاء السلطةالحرص على حرية التعبير وديمقراطية الانتخابات، والثاني اعتقال من يفوزون بها لأنهم يخالفون الرأي.
فباليد اليمنى تسمح أجهزة أمن السلطة بإجراء انتخابات طلابية، وباليد اليسرى تقوم بحملة اعتقالات متصاعدة بعد كل انتخابات ضد أبناء الكتل الطلابية التي تخالف توجهاتها خاصة أبناء الكتلة الإسلامية.
ومنذ عدة أيام اعتقل جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة في جنين، الطالب بكلية الهندسة بجامعة بيرزيت نور محمد عطاطرة، وهو ناشط في الكتلة الإسلامية بالجامعة، لم يستطع أهله زيارته حتى اللحظة، وهو محتجز بالزنازين دون عرضه على النيابة أو تقديم لائحة اتهام ضده أو اتخاذ أي إجراء قانوني بحقه.
يقول والده لصحيفة "فلسطين"، إن وقائي جنين أخبر العائلة أن نور معتقل بسبب الانتخابات الطلابية التي جرت بالجامعة، مطالباً بالإفراج عن نجله حتى يتمكن من الانتظام في دوامه كبقية الطلبة في الفصل الدراسي الصيفي الذي سيبدأ غداً الأحد.
وفازت الكتلة الإسلامية في 9 أيار/ مايو الماضي بانتخابات مجلس طلبة جامعة بير زيت في مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة، وذلك للعام الرابع على التوالي، وتشهد الجامعة حملة اعتقالات واستدعاءات بحق الطلبة، عقب ذلك.
تضييق وملاحقة
وأمام ذلك، يقول رئيس مجلس طلبة جامعة بيرزيت يحيى ربيع، إن التضييق الأمني من أجهزة أمن السلطة يقع بشكل متواصل على أبناء الكتلة الإسلامية بشكل خاص وباقي أبناء الجامعة الذين لديهم توجهات سياسية مختلفة عن توجهات السلطة، مشيراً إلى أن هذه التضييقات تتمثل بالتهديدات والاستدعاءات.
وأضاف ربيع لصحيفة "فلسطين" أن أجهزة أمن السلطة حالياً تعتقل ثلاثة من أبناء الكتلة بجامعة بيرزيت وهم نور عطاطرة، وأويس العوري وهو أسير محرر، وحمزة أبو قرع، فيما أفرجت مؤخرًا عن ريان خرويش.
"ليس السلطة من تسمح أو تمنع الانتخابات بجامعة بيرزيت فهذه الجامعة على مر التاريخ لها إدارة قوية نزيهة وحركتها الطلابية تفرض الحق المطلوب والشرعي الذي يبحث عنه كل أبناء الوطن بإجراء الانتخابات"، حسب قول ربيع.
وعلق على ملاحقتهم بعد الفوز في الانتخابات الطلابية بأن الملاحقة متوقعة، وهي ممارسات تنتهجها أجهزة أمن السلطة في كل الجامعات تهدف إلى منع الانتقاد، مشيراً إلى أن الاعتقالات التي مارستها الأجهزة الأمنية ضد أبناء الكتلة بالجامعة منذ بداية العام كثيرة، وأن عشرة منهم إضافة للأربعة السابقين اعتقلوا منذ الانتخابات، وتعرضوا لإهانة وشبح وتعذيب متواصل.
السلطة تعاني أزمة
الناشط السياسي عمر عساف، يقول إن أي اعتقال من قبل أجهزة أمن السلطة على خلفية التعبير عن الرأي السياسي مدان ومخالف للدستور والنظام الأساسي الفلسطيني، فهو حينما يحصل يشير ويدلل أن هناك أزمة تعاني منها السلطة المسؤولة عن هذه الاعتقالات، ومن جانب آخر يشير إلى تغول الأجهزة الأمنية وتحولها لنظام بوليسي.
وأضاف عساف لصحيفة "فلسطين" أن هذه الاعتقالات تدلل على خشية السلطة من الرأي الآخر، معتبراً ذلك دليلاً على أنها لا تريد أية شراكة سياسية حقيقية، وبهذا فهي تضعف إمكانية تحقيق الوحدة الوطنية المطلوبة للتصدي للسياسات الأمريكية والإسرائيلية.
وأكد ضرورة تضافر الجهود الفلسطينية لتحقيق المصالحة، بدلاً من الاعتقالات التي لا تعكس جدية السلطة في مواجهة سياسة الأعداء تجاه القضية.
ورأى عساف أن السلطة لها حساباتها من اعتقال ممثلي الكتلة الإسلامية بجامعة بيرزيت، وتريد أن تضعف الجهات المنافسة من خلال حملة الاعتقالات، لكن على الصعيد العملي والشعبي تعطي نتائج عكسية أن الجهة التي يتم اعتقالها تحصل على المزيد من التأييد الشعبي في أوساط الطلبة.
واستدرك بأن هؤلاء الطلبة ينبغي أن يكونوا محصنين لأن جمهورهم انتخبهم ويجب أن ينالوا كل الاحترام والتقدير وليس الاعتقال، مشدداً على أنه مطلوب من منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية، وجمهور الطلبة رفع الصوت عالياً وأن يجبروا السلطة على تجاوز هذه السياسة.
اعتقالات مدانة
مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حلمي الأعرج، قال "إننا نتابع عمليات الاعتقالات التي تقوم بها أجهزة أمن السلطة على خلفيات سياسية لضمان أن لا يتعرضوا لتعذيب، وفي نفس الوقت نمارس ضغوطا كبيرة حتى لا يكون هناك توقيف على ذمة المحافظ"، مؤكداً موقفهم بإدانة أية اعتقال تعسفي يمارس خارج إطار القانون.
وأضاف الأعرج لـ"فلسطين" أن الشعب الفلسطيني بأمس الحاجة لضمان الحريات العامة والديمقراطية لأبنائه حتى يتسنى له الانخراط في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني والتصدي لـ"صفقة القرن".
وشدد على رفض الاعتقال السياسي جملة وتفصيلا؛ لأنه يمس بجوهر الديمقراطية التي كفلها القانون الأساسي وأنظمة الجامعات التي تمارسها على أوسع نطاق لتعزيز التعددية والممارسة الديمقراطية وإعطاء الطلبة حقوقهم لممارسة الحياة الديمقراطية بأرقى أشكالها.
وتابع بأنه لا توجد مؤسسة حقوقية واحدة تقبل بالاعتقال السياسي، مؤكداً أن التعبير عن الرأي حق مكفول بالقانون الأساسي، يمارسه الفلسطينيون قبل مجيء السلطة، ولا يوجد من يستطيع منع هذا الحق.