بخيبة الأمل مني كل من جاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجيسون غرينبلات مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، باستنتاجهما من الجولة التي خاضاها في المنطقة الأسبوع الماضي انخفاض توقعات نجاح ما يسمى "صفقة القرن"، لسببين رئيسين: الأول الموقف الفلسطيني والإصرار على مقاطعة التحركات الأمريكية، والثاني رفض القادة العرب الذين التقاهم المبعوثان الأمريكيان فرض هذه الصفقة، وبذلك لا معنى لطرح الصفقة في هذه الظروف، هذا التطور يؤكد تمامًا فشل التحركات الأميركية وتجاهلها الشرعية الدولية والثوابت الفلسطينية والعربية الخاصة بالقضية، وعلى نحو خاص عدم قدرة أي قوة دولية على تجاوز الرقم الفلسطيني الصعب.
أسوأ ما في الأمر أن الإدارة الأمريكية تضلل العالم بأن القضية الفلسطينية تتمثل في مشاكل معيشية بغزة، وحل ذلك بفرض "صفقة القرن" من طريق غزة، حيث يعيش أكثر من مليوني فلسطيني، وإنشاء كيان مع مطار وميناء بحري، كما يقولون، وذلك للتفرد بالضفة وابتلاعها بالاستيطان وتجاهل قضية القدس واللاجئين.
فهل فجأة صار الوضع الإنساني الصعب في غزة مكان اهتمام ورفق وشفقة الإدارة الأمريكية؟!، بل زاد الحديث عن ضرورة توفير المساعدات وتحسين سبل الحياة في غزة بجمع التبرعات لها، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام وكل هذه الإنسانية؟!، هل هما لسواد عيون أهالي غزة؟!، صدق المثل القائل: "يقتلون القتيل ويمشون في جنازته".
هذا المثل ينطبق على الاحتلال الإسرائيلي المدعوم من أمريكا، لأن غزة ترزح تحته منذ عام ١٩٦٧م، وفرض عليها حصار ظالم أكثر من عشر سنوات، وشن عليها ثلاث حروب ضارية، ودمر كل ساكن ومتحرك فيها، ولم يرأف الاحتلال يومًا بأهلها الذين يعيشون في فقر مدقع وبطالة مقنعة وتكدس سكاني رهيب، وأصبحت العيشة فيها مستحيلة ولا تصلح للحياة.
الآن تذكروا غزة وأقروا بالحالة الإنسانية التي يعاني منها سكانها؟!، فإذا أردتم سماع الجواب الصحيح، فهو أن الأمر كان مدبرًا سابقًا لإيصال الأمور في غزة إلى هذا الحال كي تقبل ما يملى ويشرط عليها، ألا وهو "الأمن مقابل الغذاء"، بهدف التركيع لقبول الصفقة الأمريكية من الألف إلى الياء، فهل ستقبل غزة هاشم بيع فلسطين؟!
فلنستمع لما قالته صحيفة (إندبندنت) البريطانية في مقال لها نشرته يوم الجمعة الفائت للكاتب روبرت فيسك، تناول فيه المساعي الأمريكية لإحياء عملية التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وما يسمى "صفقة القرن" وآثارها المحتملة.
ويفتتح فيسك مقاله متسائلًا: "بعد فشل اتفاق أوسلو وانهيار حل الدولتين، هل بقيت إهانة أخرى لم توجه للفلسطينيين؟!".
ويقول فيسك: "بعد مدة طويلة من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي التي سُرقت من العرب، وبعد اتفاقات متغيرة ومفاوضات متقطعة فُرضت على الفلسطينيين، أي درجة من الاحتلال يجب أن يعيشوا تحتها؟!".
فبعد عمليات القتل الجماعي في غزة جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في المدة الأخيرة نقل السفارة الأمريكية لدى الكيان إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمته الأبدية، ومحاولة تصفية حق العودة مقابل المال.
"كوشنر _يقول فيسك_ تسيطر عليه الأوهام، إن كان يعتقد أن هذه الصفقة ستنجح، فالفلسطينيون الذي خسروا وطنهم قبل نحو 70 عامًا لم يتظاهروا مرة واحدة في شوارعهم المدمرة طلبًا لشوارع أفضل أو مناطق حرة خالية من الضرائب".
ولهذا نقول إن "صفقة القرن" التي تسربت الكثير من مضامينها، وسبقها الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للاحتلال، في قرار ظالم ومستخف الشرعية الدولية، ومحاولات واشنطن لتصفية قضية اللاجئين؛ إن هذه "الصفقة" بحاجة إلى إعادة النظر فيها كليًّا، وليس مجرد إدخال تعديلات عليها (...) وعلى كوشنر التراجع عن اعتراف بلاده بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال، والإقرار بحق اللاجئين الفلسطينيين، ورفع الحصار عن غزة، ووقف الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، إن كان جادًّا فعلًا في إيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، حتى لا يكون مصيرها كمصير خريطة الطريق وتلقى في سلة المهملات.