غيبت رصاصات الاحتلال المتفجرة الشاب محمد فوزي الحمايدة (24عاما) عن الحياة، مخلفة بذلك حزنا شديدا في أوساط محبيه وأصدقائه، وألما عميقا في قلوب ذويه.
وارتقى الحمايدة بفعل رصاص إسرائيلي متفجر في صدره، أثناء مشاركته في فعاليات مسيرة العودة شرق رفح يوم الجمعة الماضية.
وإصابة محمد التي استشهد على إثرها ليست الأولى فقد سبق وأن أصيب يوم "مليونية العودة" في 14 مايو/ أيار الماضي بالاختناق جراء مئات القنابل الغاز التي أطلقت على المتظاهرين السلميين في ذلك اليوم.
كتب في حينه على حائط صفحته الشخصية لفيسبوك "رصاصكم وقذائفكم لن تزيدنا إلا عزيمة وإصرار على الموت والتضحية من أجل وطننا الحبيب والعودة إلى كامل أراضينا المحتلة".
وخاطب في تغريدته الاحتلال وجنوده "آن الأوان لكم لترحلوا عن أرضنا وتبحثوا لكم عن مأوى أو تذهبوا إلى حيث جئتم (...) لقد أدركنا جميعا أن الحياة حرام علينا بدون العودة الي أراضينا ومقدساتنا، لا تراجع ولا استسلام، وستكون بداية الفتح على أيادي الشباب الثائرين".
في "مليونية العودة"، قال محمد لأصدقائه قبيل الانطلاق مع الجماهير "إن لم أستشهد اليوم فسأعود إلى المنزل وأتقدم لخبطة إحدى الفتيات"، وهو ما حدث بالفعل، حيث عقد قرانه على الفتاة هبة العجرمي معلناً بدء مرحلة جديدة في حياته، إلا أن ذلك لم يدفعه للعزوف عن الاستمرار بالمشاركة في مسيرات العودة، متقدما صفوف المتظاهرين بصدره العاري، هاتفاً بعلو صوته لأجل فلسطين وتأكيداً على حقه بالعودة إلى بلدته الأصلية الرملة.
تشبث محمد بالحياة لم يكن يعني في قاموسه الشك في أقدار الله، إذ كتب يوما "حقا على كل نفس أن تموت اليوم أو غدا، أقدارنا مكتوبة فلا داعي للخوف من الموت، أرضنا تغتصب وقدسنا تدنس فهبوا يا أبطال، إما أن يكون النصر حليفنا وإما أن تكون جنات الفردوس هي دارنا بإذن الله".
وأضاف: "في غزة تصنع المعجزات، في غزة مدارس تعلم العالم أجمع معنا الرجولة، عزائمنا من حديد، سنعانق الموت حتى نسترجع كرامة أمتنا ونسترجع طهارة قدسنا من اليهود الغاصبين والكفرة الملعونين، وسيكون النصر حليفنا بإذن الله".
وفي تغريدة ثالثة، حيّا الشاب الحمايدة رفاقه الشباب الثائرين، وعاهدهم على المضي في درب العودة حتى العودة إلى القدس فاتحين والأرض محررين، وكتب: "سنبقى على الدرب ولو قطعت أجسادنا، سنضحي بأرواحنا من اجل وطننا وقدسنا، وسنعلم العالم دروسا في معاني حب الوطن وحب الشهادة".
غاب محمد قسرا برصاص الاحتلال، ليمضي شهيدا إلى زفاف أجمل عند ربه، فـ"حور العين أجمل وأحلى من بنات الدنيا"، تقول والدته إيمان (52عاما) لصحيفة "فلسطين".
وتضيف بصوت يكتنفه حزن عميق ومن حولها النساء يقدمن لها المواساة في مصابها: "محمد شهيد، .. ربنا أكرمه بالشهادة التي تمناها وعمل من أجلها".
الحمايدة أوضحت أن نجلها يشارك في مسيرة العودة منذ بدايتها، قائلة: "كان يقول لي، أنا لا أتنزه هناك ولا ألعب، بل أشارك مع الشباب الثائر في إشعال الإطارات المطاطية ورشق الجنود بالحجارة بمقلاعه الصغير".
وأكدت على مواصلة طريق نجلها التي استشهد من أجلها، طريق العودة إلى الديار والمقدسات والأرض، قائلة: "كل أولادي فداء الوطن وكلنا مشاريع شهادة، فالوطن أغلى من الولد".
أما خطيبته هبة التي ارتبط بها قبل خمسين يوم فقط على أن يتزوجا في نوفمبر المقبل، فتكلمت ببضع كلمات كشفت عن شخصية محمد الذي لطالما حدثها عن الحور العين منذ ارتباطهما، حتى ظنت أنه "لا يريدها" كما تقول، مشيرة أنها بادرته بالسؤال يوماً حيال ذلك، ليجيبها "بل أريدك وأنت الملكة بالنسبة لي".
صمتت هبة قليلا ثم أكملت حديثها: "محمد رجل والرجال قليل، رحمه الله وأسكنه الجنة، لقد ذهب إلى من هم أفضل مني".
تقول "في كل مرة يذهب بها إلى مخيم العودة شرق رفح كان يهاتفني ويؤكد لي أنه راجع، لكن ذلك لم يحدث في الجمعة الأخيرة.. فرجع محمولا على الأكتاف".

