الشعور بالأمان من الحاجات الأساسية للإنسان، لذا يسعى لتحقيقه لنفسه ولأهله، ولكن يطال التهديد أمنه وأمانه في كثير من الحالات، ولأسباب مختلفة، منها التعرض للسرقة، فماذا لو فتح عينيه ليجد لصّا إلى جواره يعبث بأغراضه؟ وماذا لو كان اللص مسلحا؟ كيف يمكن أن يتصرف الإنسان في هذه الحالة؟.. في التقرير التالي رصدت "فلسطين" سرقات لا يزال أصحابها يعانون من تبعاتها النفسية..
خفّ ولم يزُل
قبل ثلاث سنوات تقريبا، أفاقت براءة الغلاييني في السابعة صباحا على صوت والداتها تصرخ منادية أخاها، ومكررة "حرامي.. حرامي".
تقول لـ"فلسطين": "أختي موظفة تترك ابنها عندنا في ساعات دوامها، لذا فقد اعتدنا أن تفتح أمي باب البيت بعد صلاة الفجر، ليكون متاحا لأختي أن تُدخل ابنها"، مضيفة: "ذات يوم لم تأتِ أختي، فبقي الباب مواربا كما هو، بينما أنا وأمي وأخي نائمون، فاستغل لصٌ الفرصة وتسلل إلى البيت".
دخل اللص غرفة أخيها، وأخذ منها هاتفه النقال، وحاسوبا محمولا، ثم إلى غرفتها التي كان فيها هاتفها إلى جانب رأسها، فأخذه دون أن تشعر بوجوده، ولما انتقل إلى غرفة الأم، وضع الأغراض التي سرقها جانبا، وفتح خزانتها وبدأ بالبحث فيها علّه يجد أشياء أخرى يستولي عليها.
ولأن باب الخزانة يصدر صوتا عند فتحه، استيقظت الأم، وظنت أن ابنها يبحث عن شيء، فسألت: "مين؟ محمد؟"، لكنها لم تتلق جوابا، ففتحت عينيها لتُفاجأ بشابٍ غريب يعبث بأغراضها، سألته: "مين أنت؟".
نظر اللص إلى السيدة ورفع كفه إلى جوار رأسه كمن يقصد أن يقول "مع السلامة"، ثم أخذ المسروقات وولى هاربا، فما كان منها إلا أن نادت على ابنها، والذي بدوره خرج من البيت ليمسك بالسارق، وكان يكرر "حرامي" لينتبه له الجيران"، الذين خرج شبابهم للمساعدة، فيما وقفت سيدة مسنة على سطح بيتها تراقب اللص الفار، لترشد الشباب إليه، وأخيرا تمكنوا من الإمساك به في بناية قيد الإنشاء.
توضح الغلاييني: "الخوف كان سيد الموقف، أو بالأحرى الرعب، وكان لا بد من إجراءات نوفر بها مزيدا من الأمان، بالإضافة إلى المضي في الجانب القانوني لردع اللص"، مبينة: "بعد زوال الصدمة، واستيعابنا لما حدث، زاد خوفنا لإدراكنا لأبعاد الحدث واحتمالات تكرره، وخشيتنا من أن يكون دخل اللص ذاته أو غيره من قبل ولم ننتبه".
وتقول: "كنت أنا الأكثر خوفا لكوني فتاة، ولم أتوقف عن التفكير في أنه قد دخل غرفتي وأنا نائمة وبلا حجاب، فيما أمي زاد مرضها في ذلك الوقت".
وتضيف: "أصبحنا أكثر حرصا على إحكام إغلاق أبواب البيت لكوننا نسكن في الطابق الأرضي، وخصصنا مفتاحا لأختي لتفتح به الباب بدلا من تركه مفتوحا"، متابعة: "تنازل أبي عن التعويض المالي الذي يجب على السارق دفعه، لكنه لم يتنازل عن حبسه لينال عقابا ويكف أذاه عن الناس، وليكون عبرة لمن يفكر بالسرقة، ولكن لاحقا دفع كفالة بدلا من البقاء في السجن".
وتواصل: "حاليا قلّ الخوف، لكنه لم يزل تماما، فمثلا لا يغمض لي جفن قبل أن يعود أبي وأخي من عملهما، رغم أنهما يعودان بعد منتصف الليل".
ماذا لو؟
بعد أن عملت في سلك التعليم لأكثر من 30 عاما، قررت "أميمة راضي" أن تشتري شقة بجزء مما ادخرته في تلك الفترة، لتحفظ مالها من الضياع، ولم تفكر مطلقا في أن تكون هذه الشقة بابا لفقدان مبالغ غير قليلة.
كانت صاحبة البيت تقيم مع والدتها وشقيقتها، ولكن بعد شرائه أصبحت تتردد عليه في أوقات كثيرة، ووضعت فيه بعض ممتلكاتها، بالإضافة إلى الأثاث الذي ملأت به أرجاء المنزل.
في ليلة السابع والعشرين من رمضان، قبل عدة أعوام، استغل لصٌ فرصة خلو البيت، ووجود معظم الجيران في المسجد لإحياء "ليلة القدر"، فتسلل إليه وسرق منه كل ما استطاعت يده الوصول إليه ونقله من البيت بعيدا عن أعين الناس.
بعد يومين اكتشفت أميمة ما حلّ ببيتها، مضت في الإجراءات القانونية، لكن قلبها لم يطمئن، فغيرت باب الشقة الخشبي، بآخر حديدي لا يسهل دخول من يفكر بالسرقة من خلاله، وظنت أنها بذلك ستشعر بالأمان.
أشهر قليلة مرّت على حادث السرقة، وما زال الخوف يتملكها، والكثير من الأسئلة تدور في ذهنها، وعلى رأسها: "ماذا لو كنت في البيت لحظة دخول اللص؟"، ونتيجة هذا التفكير المتواصل، باعت أميمة شقتها، وعادت للإقامة مع أمها وأختها.
إلى أرض الوطن
أما "أمل النجار" فقد تعرض بيتها للسرقة عندما كانت تقيم في إحدى الدول العربية، وعلى إثرها اتخذت قرارا بالعودة، رغم صعوبة الأمر.
تقول: "الفلسطيني في البلد التي كنت فيها مُضطهد إلى أبعد الحدود، ولا حقوق له، ولذا لم يكن أمام من يفكر بسرقة الفلسطينيين أي رادع"، مضيفة: "طرق الباب ثلاثة رجال أشكالهم تدل على أنهم غير مأمونين، وبمجرد أن فتح زوجي الباب، دخلوا البيت بلا تردد، وبدؤوا بالبحث فيه، أخذوا ما أرادوا ثم خرجوا".
وتتابع: "لم أفكر أنا وزوجي في الاتصال بالشرطة، فلا فائدة من ذلك، كل ما كان يهمّنا هو سلامة أبنائنا، وحمدنا الله على أن الخسائر لم تصل إلى الأرواح، وأن الأطفال كانوا نياما ولم يستيقظوا بفعل حركة اللصوص في المنزل".
وتواصل النجار: "قبل هذا الحادث، لم يكن هناك أي سبب للشعور بالأمان، بل نحن مهددون دوما، ولكني كنت أواسي نفسي بأنني كغيري وأن الأذى لم يصلني، ولكن عندما مست النيران طرفنا كان لا بد من تحرك".
فعلت النجار كل ما بوسعها لتخرج من تلك الدولة، متجاهلة كل المخاوف من عدم القدرة على التأقلم مع الحياة في غزة، ومع مجيئها إلى القطاع شعرت ببعض الأمان الذي فقدته لسنوات، ومع ذلك فهي ما تزال تتذكر الحادثة وتخشى تعرضها لسرقة أخرى.