على كرسي متحرك يجلس الجريح محمد السرساوي (30 عاماً) وهو يضع قدمه اليسرى على لوح خشبي مثبّت كي لا تتحرك بعدما تعرضت لإصابة بطلق إسرائيلي في 6 إبريل/ نيسان الماضي، وهو يراجع إجراءات عمليات التجميل وسفره للخارج في العيادة الخارجية بمجمّع الشفاء الطبي.
ونصح الأطباء بغزة السرساوي، حسبما يذكر لصحيفة "فلسطين" بالسفر للخارج وزرع العصب الرئيس الذي يحرك القدم بعد أن أجرى له الأطباء هنا عدة عمليات لمعالجة تهتك العظام والأوردة، كون العملية تحتاج لأجهزة متطورة غير موجودة في القطاع المحاصر منذ 12 عاماً.
ويضيف بأن موعد العملية المجدولة الخاصة بإزالة جهاز التثبيت الداخلي "البلاتين" مقررة بعد ستة أشهر، وهو يرى أنها مدة طويلة، مشيراً إلى أنه قدم طلباً للعلاج بالضفة الغربية المحتلة لكنه رُفض أمنيّاً من سلطات الاحتلال.
نداءات استغاثة
وفي ذات المكان، بدا على قدم الجريح عمر بكر (30 عاماً) وهو يتكئ على عكازين، الانتفاخ والورم في منطقة الركبة بعدما تعرض للإصابة بطلق ناري من قوات الاحتلال في 14 مايو/ أيار الماضي.
ويقول بكر لصحيفة "فلسطين": إن الطلق الناري المتفجر تسبب بكسور في عظام القدم، وإن الأطباء أخرجوه بعد إجراء العمليات المطلوبة له، لتحدث بعد مغادرته المشفى مضاعفات في قدمه أدت لتورم في منطقة الركبة سببت ألماً كبيراً له لا يستطيع بسببه النوم، ويأتي للمشفى كي يقوم الأطباء لتشخيص حالته ومعرفة أسباب التورم ومعالجتها.
في قسم العظام بداخل مشفى الشفاء كان والد الجريح بشير محمد فرج (22 عاماً) يجهز نجله لنقله لغرف العمليات لإجراء عملية "تسكير الجرح" بعد بتر قدمه اليسرى قبل نحو أسبوعين.
وأصيب فرج في أحداث "مليونية العودة" في 14 مايو/ أيار المنصرم، فوق الركبة. ويقول لصحيفة "فلسطين" قبل مغادرته قسم العظام لإجراء العملية: "حينما أصبت كنت على يقين أن قدمي ستبتر لصعوبة الإصابة، ودخلت بعد ذلك في مضاعفات وغيبوبة وجلطات مختلفة وكنت بين الحياة والموت إلى أن قرر الأطباء بتر القدم حفاظاً على حياتي".
وينتظر الجريح الغزي السماح له بالسفر للخارج لتركيب طرف صناعي كي يتمكن من مواصلة حياته، خاصة أن البتر طال قدمه حتى الأجزاء العلوية من الفخذ.
بجواره كان يرقد الجريح عمر الحداد (20 عاماً)، حيث بدا على أسفل قدمه اليسرى الانتفاخ والتورّم.
لا ينسى الحداد في حديثه مع صحيفة "فلسطين" يوم 14 مايو، يوم تعرضه للإصابة، فبمجرد أن نزل من الحافلات المشاركة في مسيرة العودة الكبرى، تعرض للإصابة بطلق ناري أطلق من دبابة إسرائيلية سبب تهتكاً بمفصل قدمه اليسرى.
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم يقوم الأطباء بمشفى الشفاء بإزالة بعض أجزاء من عظام قدمه حتى لا تنتقل البكتيريا السامة إلى الأجزاء العلوية من عظام القدم، فيما هو ينتظر السفر للعلاج في الخارج وإنقاذ قدمه من البتر، بعد رفض الاحتلال خروجه عن طريق حاجز بيت حانون (إيريز).
"منذ 40 يوماً بموت في اليوم مئة موتة".. هكذا يصف حاله بعد أن قرر الأطباء منعه من تناول المسكنات، لأنها لا تساعد على التئام الجرح وتزيد من احتمالية انتقال البكتيريا لباقي الجسم.
أما الخمسيني أنور شلح، فكان يتنقل بين أقسام العظام والجراحة، قبل أن يلتقي بمراسل صحيفة "فلسطين"، ويقول وهو يستند على عكازين: إنه تعرض للإصابة في 14 مايو الماضي بعد إصابته بطلق ناري بمنطقة الحوض تسبب بكسر عظمة الحوض، وتسبب كذلك شظايا الطلق الناري بالضغط على عصب قدمه اليمنى.
بنبرة صوت غاضبة يضيف، بأنه منذ شهر ونصف يتنقل بين أقسام الجراحة والعظام لمعرفة ما يعاني منه، والحصول على تحويلية علاجية للسفر للخارج، خاصة أن الأطباء هنا حددوا له عملية كما يقول، بعد ستة أشهر.
عمليات معقدة
المتحدث باسم وزارة الصحة د. أشرف القدرة، بين أن هناك 14811 إصابة وصلت المستشفيات منذ انطلاق أحداث مسيرة العودة في 30 مارس/ آذار الماضي، بالإضافة إلى 132 شهيداً، 51% من تلك الإصابات كانت بالرصاص الحي والمتفجر.
وقال القدرة لصحيفة "فلسطين": إن حجم الإصابات كانت خطيرة، احتاج لإجراء عمليات معقدة أدت لاستنزاف كميات كبيرة من الأدوية والمستهلكات الطبية، والمثبتات الخارجية، وإن مجمل الإصابات كانت تستهدف مناطق حساسة بهدف تسبيب العجز لدى المصابين، وإحداث تهتك بالعظام والأوردة والشرايين، مشيراً إلى أن هناك 366 إصابة خطيرة.
وأوضح أن عمل الأطباء تركز على معالجة المصابين، بجهود مضاعفة لإنقاذ الأطراف، حيث إن العملية الواحدة في اليوم الأول للإصابة تستغرق سبع ساعات لجمع العظام ووصل الشرايين لإعطاء الجريح فرصة للمعافاة، مبيناً أن جهود الأطباء أسقطت سياسة القنص المباشر وتكللت بإنقاذ حياة آلاف المصابين.
ونوه إلى أن الاحتلال كان يهدف إلى إحداث أكبر عدد من حالات البتر، إلا أن عدد حالات البتر لم يتجاوز 54 حالة.
ولفت القدرة إلى أن العمليات المجدولة ارتفعت إلى 8 آلاف بسبب تركيز الأطباء على معالجة جرحى مسيرة العودة، موضحاً أن الكثير من المصابين يحتاجون لرعاية يومية وغيار للأطراف المصابة.
وحول تحويل المصابين للسفر للخارج، بين أن عشرات الحالات تمكنت من السفر منهم 29 مصاباً سافروا للأردن، و18 إلى تركيا، معتبراً أن العدد الذي خرج ضئيل، باعتبار أن هناك المئات من الحالات تحتاج للسفر، وأن الوزارة ما زالت تتواصل مع دولة عربية لاستقبال الجرحى.
وذكر أن الاحتلال ما زال يمنع 56% من مرضى غزة من العلاج في المستشفيات الإسرائيلية في الداخل والضفة الغربية المحتلَّين.