منذ الانقسام الفلسطيني وغزه تتجه نحو الهاوية في اقتصادها، فالحصار الذي فرض على غزة طال جميع مناحي الحياة حتى أنه أصبح يفقد من السوق أبسط الاحتياجات الاساسية، فأصبح الشارع الغزي يطرح كثيرا من الأسئلة في ظل الأجواء العملية التي ينتظرها من أجل تطبيق المصالحة وإنهاء الانقسام على أرض الواقع، بعيدا عن الأمنيات، حول مصير العقوبات التي فرضت وطالت كافة مقومات الحياة في القطاع. فلماذا لا تزال العقوبات المفروضة؟
صحيح أن الحصار الذي فرضه الاحتلال على غزة قد انهك سكانها، لكنه لم يصل إلى مستوى الفقر بشكل كامل، الا بعد أن أعلن الرئيس عباس فرض العقوبات على قطاع غزة فبدأت تظهر انتكاسات الاقتصاد وانهياره بشكل كامل ولا زالت حتى الآن، فالعقوبات التي فرضها على غزة كتقليص كمية الكهرباء، خصم الرواتب، قانون التقاعد المبكر، تقليص التحويلات الطبية، تقليص كميات الأدوية، كلها أثرت بشكل مباشر على مناحي الحياة المختلفة، فأصبح الانهيار الحقيقي للاقتصاد مع عدم توفر السيولة المطلوبة نتيجة لخصم 50 بالمئة من رواتب موظفي السلطة في غزة بتعليماته، واصبح واضحاً أن الكثير منهم لا يجد قوت يومه، بل هناك من لا يستطيع أن يشتري الطعام لأبنائه.
نرجع الى القول ان العقوبات مصلحة وطنية، ولا ادري ماذا يقصد بذلك، سوى ان الهدف من وراء العقوبات هو معاقبة الشعب ولم يقتصر الامر على فئة الموظفين فقط، صحيح انهم الفئة المستهدفة، لكن هذا الامر انعكس سلبا على عامة السكان، بدليل أنها أتت بنتائج عكسية بخلاف المتوّقع منها، فإذا كان الهدف منها إنهاء الانقسام فقد ذهبت به نحو تكريس الانقسام وترسيخ الخصام، وإذا كان الهدف منها تحقيق المصالحة الداخلية والوحدة الوطنية فقد ذهبت نحو مزيد من الفُرقة والتشرذم في الساحة الوطنية، وإذا كان الهدف منها إنهاء معاناة الناس في غزة فقد رسخت معاناتهم وعمّقت مأساتهم وزادتهم فقراً على فقر وبؤساً على بؤس، وإذا كان الهدف الضغط على حركة حماس لتستجيب لشروط السلطة فالذي تعرّض للضغط والضرر هو الشعب الفلسطيني في غزة عامة. وإذا كان الهدف منها التصدي لمؤامرات تصفية القضية الفلسطينية وتمرير "صفقة القرن" ومنع انفصال غزة، فقد ذهبت أو كادت بغزة نحو الانفصال، وفي ذلك أكبر خدمة لمشاريع تصفية القضية الفلسطينية عبر ما تُسمى "صفقة القرن".
لا شك ان العقوبات المفروضة على غزة زادت من معاناة الناس الذين صمدوا في وجه الحصار الذي امتد لعقد كامل ويزيد وثبت عدم جدواه حتى الان لأنه قام على فرضية خطأ من الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع عزة والتي عبر عنها أحد وزرائهم في السابق قائلاً: "إننا لا نفرض عقوبات على السكان المدنيين إلا من خلال دفع هؤلاء للضغط على حماس لإيقاف الصواريخ والهجمات الإرهابية على المدن الإسرائيلية"، وهي نفس الفرضية التي تنطلق منها العقوبات الحالية على غزة بهدف الضغط على الناس غير المسؤولين بغالبيتهم عن حدوث الانقسام وبالتالي يتم معاقبتهم بدون ذنب اقترفوه، وهذا الضغط على الناس مطلوب منه أن يتحول إلى ضغط على حماس لتقبل بشروط السلطة في إنهاء الانقسام أو إيجاد أزمة اقتصادية في غزة تؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار غزة بطريقةٍ ما.