لم تعد المطالبة برفع الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة في رام الله على قطاع غزة محصورة بين غزة ورام الله، بل امتدت إلى خارجها، حيث تنشط مسيرات ووقفات وتعرب شخصيات عن تضامنها مع القطاع المحاصَر منذ 11 سنة.
وانطلقت حملة شعبية تحت شعار "ارفعوا العقوبات" لهذا الغرض، تحدث خلالها رسام الكاريكاتير السياسي من البرازيل، كارلوس لاتوف، قائلًا: "السلطة الفلسطينية لا تمثل تطلعات الشعب الفلسطيني".
وأضاف لاتوف في مقطع "فيديو" عبر صفحة الحملة في موقع التواصل "فيسبوك": "غزة تعاني منذ وقت طويل بسبب الحصار".
وقال لاتوف: "أعبر عن تضامني مع الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وأقول لا للعقوبات والحصار القائم على غزة ولا للتنسيق الأمني بين السلطة و(إسرائيل)".
من جانبها، قالت الإعلامية ملاك خالد من لبنان عبر ذات الصفحة: لا بُدّ من إيصال رسالة للسلطة أن كل محاولاتها الساعية لثني الحراك عن الاستمرار في مطالبته برفع العقوبات عن غزة، هي محاولات غير ناجحة.
ومن المقرر أن تشهد بروكسل، وميلانو، وأمستردام، وفرنسا، وإيطاليا، فعاليات غدًا وبعد غد لمطالبة السلطة برفع العقوبات عن القطاع.
وفصّل الرئيس السابق للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، رامي عبدو، الإجراءات العقابية التي تفرضها السلطة على القطاع، قائلا إننا نقف اليوم أمام أزمة كرامة إنسانية بالدرجة الأولى؛ إذ إن المواطن بعد 12 عاما من المعاناة والإهمال وسرقة حقه والتمنن عليه بالمال الذي يجمع منه بالدرجة الأولى أو يجمع باسمه يشعر أن هناك امتهانًا لكرامته الإنسانية لذلك جاءت حملة ارفعوا العقوبات.
وأوضح عبدو، في مقطع فيديو عبر الصفحة نفسها، أن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة خلال 12 عامًا لم يكن يحصل على حقوقه التي كانت تجمع منه عبر أموال المقاصة التي تجنيها السلطة، أو حتى عبر المنح التي كانت تقدم، مبينًا أن القطاع يشكل الرافعة الأساسية لهذه المنح والمساعدات.
وأضاف أن قطاع غزة محروم من الوظائف في القطاع العام على مدار 12 عامًا، مشيرًا في الوقت نفسه إلى استهداف الموظفين بالفصل التعسفي والحرمان من العلاوات على مدار الأعوام الماضية.
وأكد عبدو، أن المواطنين في قطاع غزة لم يكونوا يتلقون حقوقهم في الرعاية الطبية والخدمات الأساسية، ولم تصرف للتعليم موازنات تشغيلية من السلطة، على مدار تلك الأعوام.
وفيما يتعلق بالصحة، أفاد بأن موازنة السلطة أكثر من 800 مليون شيقل توجه للخدمات الطبية مثل الأدوية والمهمات الطبية ومواد المختبر، لا يتلقى قطاع غزة أكثر من 10% على مدار الأعوام الماضية، وحينما كان يتلقى هذه المخصصات التي تمثل حقًّا له كان يتم التعامل معه بطريقة التمنن وكأنها مساعدات مقدمة لدولة أخرى.
وأشار إلى أن كل الوزارات لم تكن تتلقى أي موازنات تشغيلية واختصر الأمر على "فتات الرواتب"، فيما جاءت الإجراءات العقابية لتقضي على مقومات الحياة في قطاع غزة في أبريل/ نيسان 2017 عندما اتخذ رئيس السلطة محمود عباس قرارًا بفرض مزيد من العقوبات التي "تستهدف السكان بالدرجة الأولى"؛ بحسب عبدو.
وأوضح أن عباس أحال الآلاف إلى التقاعد التعسفي المبكر، وأوقف مخصصات حتى تلك الأدوية التي كانت تذهب للقطاع، وأوقف التحويلات الطبية، فقد تقلص عدد المرضى الذين يحولون للعلاج في الخارج إلى 400 فقط بعدما كان يتراوح بين 2000 و2500.
وتابع: "نتحدث عن إجراءات خطيرة مست عصب الحياة في قطاع غزة"، لافتًا إلى أن الإجراءات شملت وقف إمداد الكهرباء ووقف تسديد أثمان الكهرباء للشركة الإسرائيلية.
وشدد عبدو أن على قطاع غزة يدر أكثر من نصف إيرادات "المقاصة"، لأنه مجتمع استهلاكي ويتم التحكم بشكل كبير في المعابر بخلاف الضفة الغربية حيث التهرب الضريبي يصل نسبًا تتجاوز 30%.
وبيّن أنه في مارس/ آذار الماضي لم يتم صرف الرواتب حتى تلك التي خفضها عباس في أبريل/ نيسان 2017، بنسبة تتجاوز 30% من الرواتب الأساسية التي لا تشمل العلاوات لأن الموظفين في القطاع كانوا يحرمون من العلاوات على مدار 12 عامًا.
وبحسب عبدو، في أبريل/ نيسان الماضي صُرف لموظفي السلطة في القطاع 50% من الراتب، ومن ثم بدأت المأساة تتعمق وتكبر، ذاكرًا أن 72 ألف أسرة أوقفت المعونات الاجتماعية التي كانت تقدم لهم.
ونوه إلى أن السلطة توقفت عن دفع ثمن المياه لشركة "ميكروت" الإسرائيلية.
"ضارة بالحقوق الوطنية"
من جهته، قال الحقوقي صلاح عبد العاطي، في كلمة لحملة "ارفعوا العقوبات" الشعبية: إن الإجراءات العقابية بحق غزة غير قانونية ولا أخلاقية وضارة بالمسار السياسي والحقوق الوطنية.
وأضاف أن غزة تتطلع إلى الأهل في الضفة الغربية ليقفوا موقفًا للتاريخ، ويعلنوا رفضهم لكل الإجراءات العقابية، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تساهم في تنفيذ مخططات التصفية المحدقة بالقضية الفلسطينية.
أما مديرة "الأورومتوسطي" في الأراضي الفلسطينية، مها الحسيني، قالت لصحيفة "فلسطين"، إن الإجراءات العقابية ساهمت بشكل كبير في تردي الأوضاع الإنسانية في القطاع خاصة ارتفاع نسبة الفقر خلال الأشهر الماضية إلى 65%.
وأضافت الحسيني: "السلطة بهذه الممارسات للأسف ربما تكون قد دخلت في نطاق العقوبة الجامعية ضد السكان المدنيين في قطاع غزة وهو ما ينذر بكارثة إنسانية قريبة".
وأشارت إلى أنه إضافة للاحتلال والحصار الإسرائيلي المطبق أصبح المواطنون في القطاع الآن بين مطرقة وسندان (الحصار والعقوبات) لتزيد الوضع سوءًا.
وأعربت عن أسفها لكون السلطة أثبتت مرة أخرى أنها تمارس العنف ضد الحريات الأساسية للمواطنين، خاصة الحق في حرية التعبير، مشيرة إلى قمع مسيرة سلمية في رام الله مؤخرًا طالبت برفع العقوبات.
إنه زمن باتت فيه السلطة تفرض عقوبات على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ويطالبها العالم برفعها، تمامًا كما يطالب (إسرائيل) برفع الحصار عنه.