لا تطالب أزهار أبو سرور إلا بأبسط الحقوق التي شرعتها الديانات السماوية وهو دفن جثمان نجلها الشهيد عبد الحميد –أحد شهداء انتفاضة القدس التي اندلعت في أكتوبر 2015- وتحتجزه سلطات الاحتلال في مقابر الأرقام؛ تحت مبررات وذرائع غير قانونية وغير إنسانية.
وتقول أبو سرور لصحيفة "فلسطين": "منذ استشهاد نجلي عام 2016م، لم ينشر الاحتلال أي صورة للحادثة وتكتم على تفاصيل الاستشهاد، فأي شخص يعيش حالنا يتخيل أن عبد الحميد سيدخل في أي وقت ليفتح باب المنزل علينا".
وتضيف بنبرة صوت حزينة: "شعور صعب يبقى يلازم أفراد الأسرة بأن هناك شيئا ناقصا، وواجب علينا أن ندفن ابننا كرامة له وحسب الشريعة، خاصة أننا نعلم أن الاحتلال يمثل وينكل بجثث الشهداء، ونعلم أن احتجاز الجثامين أسلوب يتبعه الاحتلال منذ سنوات حتى يوجع قلوب أمهات وأهالي الشهداء".
وتشير إلى معلومات لديها أن سلطات الاحتلال قامت بدفن جثمان نجلها برفقة ثلاثة شهداء آخرين في مقابر الأرقام دون إشعار أحد.
والاستشهادي عبد الحميد محمد أبو سرور (19 عاما) من بيت جالا، ارتقى شهيدا بعد تفجيره لحافلة إسرائيلية عن طريق عبوة ناسفة، بمدينة القدس الاثنين 18 أبريل/ نيسان 2016م، وأسفر عن إصابة 21 مستوطنا، بحسب وسائل إعلامية عبرية.
وتتابع الأم وهي تثني على نجلها الشهيد "عبد الحميد علمني أن صاحب الحق لا يجب أن يسكت عن حقه، وحقي أن أدفن جثته".
ووجهة رسالتها لوالدة الضابط الإسرائيلي الأسير لدي المقاومة بغزة هدار غولدن، التي تطالب بإعادة جثمان نجلها من غزة، قائلة: إن دولة الاحتلال هي أول من مارس جريمة حرمان الفلسطينيين من جثامين أبنائهم، وأنه يتوجب على هذه العائلة أن تكف عن تمثيل دور البريء عبر رسائل إنسانية.
وترفض حركة حماس، الإفصاح عن مصير 4 جنود إسرائيليين لديها، وتشترط بذلك الإفراج عن الأسرى المعاد اعتقالهم الذين أفرج عنهم ضمن صفقة "وفاء الأحرار".
لكن الشعور الأصعب لأم الشهيد أبو سرور هو أن يبقى أهالي الشهداء المحتجزة جثامينهم في الميدان يصارعون الاحتلال وحدهم في هذا الملف، مستدركة: "لم نجد اهتماما بهذا الملف من أي جهة وهذا أكبر إحساس صعب بالنسبة لنا".
قضية مهملة
وقال المتحدث باسم لجنة أهالي الشهداء المحتجزين، محمد عليان، إن ملف جثامين الشهداء المحتجزة، مهمل رسميا وشعبيا، ولا يوجد أي متابعة رسمية لهذا الملف.
وأضاف عليان لصحيفة "فلسطين" إن الموقف الشعبي حتى الآن يتجاهل القضية ويرحلها أمام قضايا أخرى قد تكون بالنسبة له أكثر أهمية، ما يجعل الاحتلال يتمادى في الاعتداء على الجثامين.
وتابع عليان أن الاحتلال يتمادى في شرعنة احتجاز الجثامين دون أن يكون هناك ردة فعل فلسطينية، لافتا إلى أنه قبل أيام قررت نيابة الاحتلال الإفراج عن جثامين ثلاثة شهداء محتجزة بعد مراسلتها من قبل محامين فلسطينيين من مركز القدس وعدالة للخدمات القانونية.
لكن نيابة الاحتلال أبلغت محكمة الاحتلال العليا أن هؤلاء الشهداء الثلاثة لا ينطبق عليهم قرار حكومة الاحتلال الصادر بشهر كانون الثاني/ يناير 2017م، الذي ينص على أنه يحق لحكومة الاحتلال احتجاز جثامين شهداء قاموا بعمليات عسكرية أو ينتمون لحركة حماس.
وأشار المحامي الفلسطيني إلى أنه عائلة الضابط غولدن توجهت للمحكمة العليا وطلبت بإصدار أمر يمنع الإفراج عن الجثامين مهما كان تصنيفهم سواء قاموا بتنفيذ عمليات مقاومة أم لا أو ينتمون لحماس أو لا، وقررت المحكمة العليا بالإجماع أول من أمس الاستجابة لعائلة غولدن ورفض الإفراج عنهم.
وأشار عليان إلى أن سلطات الاحتلال ما زالت تحتجز 24 جثمانا فلسطينيا بينهم جثامين تسعة شهداء من غزة، لافتا إلى أنه في 17 يوليو/ تموز القادم ستعقد المحكمة العليا جلسة من سبعة قضاة للنظر في الالتماسات التي قدمت في موضوع الإفراج عن الجثامين.
ويعتقد عليان أن الامور تسير باتجاه صدور قرار من المحكمة يجيز احتجاز الجثامين وربطها بالمفاوضات مع حركة "حماس"؛ لأن الرأي العام الإسرائيلي يضغط بهذا الاتجاه ولا يوجد في المقابل ردود فلسطينية تضغط على المحكمة وتشكل رأيا عاما مضاد.
وشدد على أن المطلوب فلسطينيا رسميا وشعبيا تفعيل ملف الجثامين المحتجزة في المحاكم الدولية، وتخصيص حراك شعبي واسع حتى الإفراج عنهم.