فلسطين أون لاين

​ثلاثة أشقاء يتقاسمون وجع إصابتهم برصاص الاحتلال

...
رفح - نور الدين صالح

مع إشراقة شمس يوم الرابع عشر من مايو الماضي كان الشاب محمد الهمص (27 عامًا) برفقة شقيقه عطا الله (20 عامًا) على موعد للذهاب إلى منطقة السياج الفاصل، شرق محافظة رفح جنوب قطاع غزة.

انطلق الشقيقان مُسرعين نحو السياج الفاصل شرقي محافظة رفح، للمشاركة في مليونية مسيرة العودة، تأكيدًا لحق العودة إلى الأراضي المحتلة عام 1948م.

فحين دقت عقارب الساعة عند العاشرة صباحًا سيطرت على عطا الله حالة من الحماسة، دفعته إلى التقدم أكثر نحو السلك الفاصل، حاملًا معه علم فلسطين، إلى أن تمكن من وضعه على السلك الزائل، على أعين الاحتلال، وفق ما يروي محمد لمراسل "فلسطين".

جرأة هذا الشاب أثارت غضب واستفزاز جنود الاحتلال، ما دفع أحدهم ممن يعتلون السواتر الرملية إلى إطلاق النار المباشر صوبه، حتى استقرت رصاصته في قدمه بمنطقة "الرُكبة" تحديدًا.

اندفع محمد إلى إنقاذ شقيقه عطا الله، عقب سقوطه على الأرض بعد الإصابة، ونقله برفقة عدد من الشبان إلى إحدى سيارات الإسعاف هناك، لكّنه لم يرافقه إلى المستشفى الأوروبي، يشرح محمد لحظة إصابة شقيقه عطا الله.

عاد مُحمد مسرعًا نحو السياج الفاصل مجددًا لمواجهة الاحتلال، وهو يحمل في جنباته رسالتين: الأولى تمسكه بحق العودة إلى الأراضي المحتلة، والثانية الثأر لشقيقه المصاب، حسب قوله.

ما إن مضت ساعة واحدة فقط على إصابة عطا الله حتى باغتت رصاصتان غادرتان جسد محمد: الأولى استقرت في منطقة الفخذ اليمنى (مدخل ومخرج)، والثانية متفجرة اخترقت الفخذ اليسرى، يقص لحظة إصابته عقب شقيقه عطا الله.

يصمت قليلًا ثم يستذكر لحظات تلقيه الإصابة واصفًا إياها بـ"المؤلمة"، خاصة أن الاحتلال يستخدم أسلحة محرمة دوليًّا، تعمل على تفتيت المنطقة التي تصيبها.

أما شقيقهما الثالث وجدي (25 عامًا) فيبين محمد أنه توجه إلى منطقة السياج الفاصل عند الساعة الواحدة ظهرًا للمشاركة في مسيرات العودة، رغم إصابة شقيقيه.

العزيمة والإرادة كانتا تسيطران على وجدي، لكّن غدر الاحتلال حاول النيل من هذه العزيمة، فلم يمضِ على وصوله بضع دقائق حتى أصابته رصاصة من قناص إسرائيلي في قدمه، نُقل على إثرها إلى المستشفى لتلقي العلاج.

هنا يكون قد اكتمل المشهد بإصابة الأشقاء الثلاثة خلال بضع ساعات في اليوم نفسه، لتشكّل صورة من المعاناة والألم الممزوجة بالإصرار والتحدي لعائلة فلسطينية تقطن في مخيم رفح.

ورغم إصابة الأشقاء الثلاثة لا يزالون يشاركون في مسيرات العودة في كل جمعة، تمسكًا بحق العودة، يقول محمد: "هذا حق لنا ويجب أن ندافع عنه بصدورنا العارية، مهما كلفنا الثمن".

ويرى أن مسيرات العودة ونصب الخيام قرب السياج الفاصل "خطوة مهمة" على طريق تحرير فلسطين كاملة من دنس الاحتلال، داعيًا إلى الحفاظ على مبادئها وسلميتها، لإيصال رسالتها إلى العالم أجمع.

ويشير إلى أنهم مكثوا في المستشفى قرابة أسبوعين، إلى حين استكمال العلاج عقب الإصابة، لكّنهم خرجوا وهم بحاجة إلى مواصلة العلاج، لاسيّما أن إصاباتهم وصفت ما بين المتوسطة والخطيرة.

ويمكث الأشقاء الثلاثة في البيت حاليًّا، لكنهم باتوا عاجزين عن جلب الأدوية الخاصة بهم، لسوء الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها العائلة، التي يصل عدد أفرادها إلى تسعة في بيت واحد، لاسيّما أن والدهم لا يعمل، ولا يقدر على جلبها.

ويعاني محمد _وفق حديثه_ من مرض السكري، وهو ما يضاف إلى معاناته ويثقل كاهله، مناشدًا توفير الجهاز الخاص بفحص السكري، من أجل المحافظة على عدم تفاقم وضعه الصحي.

ويناشد الأشقاء الثلاثة كل الجهات المعنية التدخل، من أجل توفير العلاج اللازم لهم، خلال المدة القليلة المقبلة، كي يتمكنوا من العودة لممارسة حياتهم الطبيعية.