إلى بيروت تتجه الأنظار هذه المرة, حيث من المرتقب أن تشهد اجتماعات للجنة التحضيرية المكلفة بالإعداد لعقد المجلس الوطني الفلسطيني، بحضور حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي، في 10 و11 من الشهر الجاري.
لكن التساؤلات القديمة الجديدة تطرح نفسها، عما إذا كانت هذه الاجتماعات ستفضي إلى خطوات عملية تصب في اتجاه الوحدة الوطنية، في ملف "الوطني".
وأعلنت "حماس" و"الجهاد" اعتزامهما المشاركة في الاجتماعات، بعد دعوة وجّهها رئيس المجلس سليم الزعنون، الذي أوضح أن التركيز سيكون على استكمال المشاورات لعقد دورة عادية لـ"الوطني".
واستبق رئيس السلطة وحركة فتح محمود عباس، في كلمة له بمناسبة الذكرى الـ52 لانطلاقة حركته، في 31 من الشهر الماضي، الأحداث، قائلًا: إن هناك مشاورات مع جميع الفصائل والقوى لعقد جلسة لـ"الوطني" في فلسطين خلال أشهر.
لكن مسألة عقد المجلس في رام الله المحتلة على سبيل المثال، تلقى جدلا وطنيا، كون الاجتماع سيكون تحت قبضة الاحتلال الذي يتحكم فيمن يدخل ومن يخرج، عدا عن أن من المسائل المهمة -بحسب مراقبين- ما إذا كان الحديث يدور عن تحضير لجلسة عادية أم التمهيد لإجراء انتخابات مجلس جديد.
ومن المعروف أن "فتح" تتبنى برنامجا سياسيا قائما على أساس ما يسمى "السلام" مع الاحتلال الإسرائيلي، كخيار استراتيجي، بينما تؤكد "حماس" و"الجهاد" وفصائل أخرى على خيار المقاومة بكافة أشكالها وعلى رأسها الكفاح المسلح.
وينص "إعلان الشاطئ" الذي وقعته "حماس" ووفد منظمة التحرير، في غزة في 23 أبريل/ نيسان 2014، على "الالتزام بكل ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة والتفاهمات الملحقة وإعلان الدوحة واعتبارها المرجعية عند التنفيذ"، كما تضمن بندًا آخر يتعلق بعقد لجنة تفعيل وتطوير المنظمة في غضون خمسة أسابيع من توقيع الإعلان، لكن عباس امتنع عن الدعوة لعقدها.
وسألت صحيفة "فلسطين"، النائب عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ"حماس"، في المجلس التشريعي، يحيى موسى، عن حيثيات الاجتماع المرتقب، ويجيب بأن "الذي نطالب به هو الالتزام بما تم الاتفاق عليه".
ويوضح أن "هناك اتفاق المصالحة الذي تم في القاهرة، وهذا تحدث عن كيفية إعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية من خلال اجتماعات الإطار القيادي الموحد، ومن خلال إجراء انتخابات المجلس الوطني وإعادة بناء المؤسسات التي لا يمكن إجراؤها بالانتخابات، بالتوافق الوطني".
لذلك، والكلام لا يزال لموسى: "نحن لسنا بصدد انعقاد جلسة، وإنما المطلوب التباحث حول الكيفية التي نستنهض بها منظمة التحرير ونعيد بناءها ونعيد بناء مجلس وطني ممثل للشعب الفلسطيني وقادر على القيام بالمهمات الموكلة إليه".
ويشير إلى أن "الوطني" مضت عليه عشرات السنوات دون أن يجدد، وفي هذه الفترة توفي عدد من أعضائه، وهناك فصائل جديدة أصبحت موجودة ووازنة، وأن هذه التغيرات يجب أن تعكس نفسها في أي انعقاد وأي مجلس وطني.
وعقدت آخر دورة لـ"الوطني" في غزة عام 1996، تبعتها جلسة تكميلية عقدت في رام الله بالضفة الغربية في 2009. ويعتبر المجلس بمثابة برلمان منظمة التحرير، ويضم معظم الفصائل باستثناء "حماس" و"الجهاد".
ترتيب البيت الفلسطيني
أما ممثل "الجهاد" في لبنان، أبو عماد الرفاعي، فيقول عن سبب مشاركة حركته المرتقبة في اجتماعات اللجنة التحضيرية: "نحن جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والسياسي الفلسطيني وبالتالي نحن حريصون على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني، وكنا نصر وما زلنا على ذلك من خلال إعادة ترتيب وبناء منظمة التحرير، والمجلس الوطني هو إحدى مؤسساتها".
ويوضح لصحيفة "فلسطين"، أن حضور حركته هذه الاجتماعات "هو للتأكيد على وحدة الشعب والموقف الفلسطيني، وتأكيد الإصرار على العمل لإعادة بناء منظمة التحرير".
ويبين أن الاجتماعات ستتناول "قضايا المنظمة ووضعها والمجلس الوطني"، مردفًا: "نحن معنيون بأن نبين موقفنا ورؤيتنا لعلنا نستطيع أن نصل لتفاهمات رغم كل قناعاتنا بأن الأمور والظروف بحاجة إلى جهد كبير وطاقة كبيرة من الحركة لنصل كشعب فلسطيني وكفصائل إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي".
وفي معرض رده عن سؤال بشأن طبيعة الجلسة التي سيتم التحضير لها لـ"الوطني"، يُذكّر الرفاعي بأن هناك "اتفاق القاهرة 2005، بالتالي نحن ما زلنا نصر على ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وانتخاب مجلس وطني جديد".
ويتابع: "نحن سنناقش في اللقاء في بيروت جملة من القضايا والمواضيع"، مردفا: "لكن هل يعقد المجلس الآن بشكله الحالي أو إعادة ترتيب ووضع آليات لانتخاب مجلس وطني جديد هذا باعتقادي سيدخل في دائرة النقاش الذي سيجري في اجتماع بيروت".
وعما إذا كانت الظروف الإقليمية والدولية مساعدة على نجاح عقد الاجتماعات، يؤكد أن الاجتماعات ستنجح "إذا كانت هناك إرادة فلسطينية جامعة"، منوها إلى أن الشعب الفلسطيني لديه القدرة والإرادة لتحدي الصعاب، وخصوصا التي يواجهها في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وأن الفلسطينيين لم يستسلموا للأخير.
لكنه يرهَن نجاح الاجتماعات أيضًا بعباس والسلطة الفلسطينية وقيادة المنظمة، قائلا في الوقت نفسه: "أعتقد إذا كانت هناك إرادة جدية في إعادة بناء وترتيب البيت الفلسطيني وخصوصا مؤسسات المنظمة، باعتقادي أيا كانت الصعاب نستطيع أن نتجاوزها بوحدتنا وبوحدة موقفنا السياسي".
مكان الانعقاد
من جهته، يعتقد الباحث في الشؤون الفلسطينية، نافذ أبو حسنة، أن المهم في هذا الموضوع هو "أين ستعقد الدورة؟" الخاصة بالمجلس الوطني.
ويقول لصحيفة "فلسطين": "من المفيد أن تعاد الحياة والروح لمؤسسات منظمة التحرير، وهذا بند جرى النص عليه في كل الاتفاقات التي عقدت بين القوى والفصائل من أجل إعادة بناء وتفعيل المنظمة".
لكنه يرى أن عباس يصر على عقد الجلسة في رام الله، مشددًا على أن ذلك "وصفة للفشل أو بناء مجلس وطني على المقاس الذي يريده عباس؛ لأن الدخول إلى رام الله طبعًا يتم تحت موافقة الاحتلال، وهناك كثير من القوى التي لا تريد التوجه إلى رام الله".
ويتابع: "إذا تم التوصل إلى حل وسط لعقد هذه الدورة أو الاتفاق على عقد هذه الدورة ولكن خارج فلسطين المحتلة، في إحدى العواصم العربية، قد يكون هذا الأمر جيدا ويعطي مؤشرا على إمكانية الشروع في إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير".
ويشير إلى أن الفصائل الفلسطينية ستطرح رؤاها، لكنه يعيد التأكيد أنه إذا كان "الأمر مرتبطًا بعقد دورة سواء عادية أو يتم التحضير فيها لانتخاب مجلس وطني جديد أو إلى آخره، المهم المكان الذي سيلتئم فيه المجلس".
ويتوقع أبو حسنة، أن عباس يجري "نوعًا من المحاولات لترتيب بعض الأوراق والملفات"، متممًا بأنه لا يلمس "جدية" كثيرًا لديه في إعادة بناء مؤسسات المنظمة، "لأن هذا أمر يتطلب أكثر من هذا الإجراء الذي يتم التحضير له، لكن اللقاء بحد ذاته قد يكون مفيدًا".