تُصرُّ السلطة بقيادة رئيسها محمود عباس على الاستمرار بالإجراءات العقابية التي تفرضها على قطاع غزة منذ أكثر من عام، طالت مختلف شرائح المجتمع الفلسطيني، وأودت بالأوضاع الاقتصادية إلى "حافة الهاوية".
ولم يقف الأمر عند هذا الحدّ، بل أصبح "أبو مازن" يشكّل عقبة أمام كل المقترحات والمؤتمرات الرامية إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وتخفيف الحصار المفروض على القطاع.
وكان مبعوث الأمم المتحدة لعملية التسوية في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف دعا لعقد اجتماع مصري إسرائيلي فلسطيني لمناقشة الوضع الإنساني في غزة، وهو ما قوبل بالرفض من عباس، ويبقى السؤال قائمًا: لماذا يقف عباس في وجه هذه الجهود المبذولة تضامنًا مع غزة؟
ويرى مختصان في الشأن السياسي، أن الهدف الأساسي لرفض عباس هو إخضاع قطاع غزة بجميع فصائله تحت سيطرة السلطة في رام الله.
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية في نابلس د. عثمان عثمان، أن إصرار السلطة على استمرار إجراءاتها العقابية ضد غزة، لإخضاع القطاع وخاصة الفصائل الفلسطينية "للتمثيل الفلسطيني".
واعتبر عثمان خلال حديثه مع صحيفة "فلسطين"، هذه الإجراءات وسيلة ابتزاز وضغط سياسي تمارسه السلطة على حماس والجهاد الإسلامي تحديدًا، والفصائل الأخرى.
وقال: "إخضاع الفصائل للنظام السياسي أهم بالنسبة للسلطة من مليوني فلسطيني يعيشون تحت خط الفقر وفي ظروف اقتصادية كارثية"، مشيرًا إلى أن دولًا عربية وأوروبية مستعدة للتخفيف عن غزة "لكنّ التصلب يأتي من ذوي القربى".
واعتبر تعنت عباس تحت مبرر وحدانية التمثيل "تجعلها تضغط على كل قطاع غزة بكل فئاته لإخضاعه".
وأضاف: "الاحتلال والولايات المتحدة وبلدان عربية أخرى مدركين لسوء الأوضاع في غزة، ويخشون انفجارها، لذلك سيساهمون بتخفيفها ضمن حل لا يعرض أمن (إسرائيل) للخطر وفق منظورهم وتفاديًا لأي تصعيد فلسطيني".
ثلاثة سيناريوهات
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة السلطان قابوس في عُمان د. هاني البسوس، مع سابقه، منبّهًا إلى أن السلطة تسعى لتغيير النظام السياسي في فلسطين.
وأوضح البسوس لصحيفة "فلسطين"، أن كل إجراءات السلطة والضغط على قطاع غزة، يندرج في إطار مساعيها للتغيير النظام السياسي بالكامل، وخاصة في غزة.
ورأى أن السلطة تسعى لدفع حماس بعيدًا عن قيادة غزة واقصائها من المنظومة السياسية وعودتها إلى تولي زمام الحُكم في القطاع، إضافة إلى خلق مواجهة بين المواطنين وحماس وتحميلها المسؤولية عن الأوضاع الصعبة في القطاع.
وبيّن أن "أبو مازن" مُصر على إبقاء العقوبات رغم عدم رضا بعض قيادة السلطة، إلى حين تحقيق ما أسماه "إنهاء حكم حماس في غزة بأي شكل من الأشكال".
ولم يستبعد البسوس، احتمالية تخفيف الحصار عن غزة، في ظل مساعي (إسرائيل) الفعلية بذلك، حول رفع الحصار بشكل نسبي عن القطاع، حفاظًا على أمنها وأمن مستوطني "غلاف غزة".
وبحسب قوله، فإن (إسرائيل) تعيش حالة من التخبط وتشويه صورتها أمام العالم، لذلك تسعى للتخلص من هذه المشهد عبر تخفيف الأوضاع في قطاع غزة.
وإزاء ما سبق، رجح البسوس ثلاثة سيناريوهات قد تقدم عليها السلطة خلال المرحلة المُقبلة، أولها تخليها عن غزة بشكل تدريجي وصولًا إلى انسحابها الكامل من المشهد في غزة، والثاني انسحاب حماس كليًا من المشهد السياسي والأمني، وهو الخيار المفضل لدى السلطة، وفق البسوس.
أما السيناريو الثالث، إبقاء أوضاع قطاع غزة على ما هي عليه خلال الفترة القليلة القادمة، من حيث الجمود السياسي والأزمة السياسية، إلى حين حدوث متغيرات إقليمية أو فلسطينية، من شأنها تغيير الأوضاع الراهنة، وهو ما يُرجح حدوثه حاليًّا.
وكان عباس بدأ في فرض جملة من العقوبات على قطاع غزة في أبريل/ نيسان 2017 بدعوى إجبار حركة حماس على حل اللجنة الإدارية التي شكلتها جراء عدم اضطلاع حكومة الحمد الله بمهامها، ورغم حلّها في سبتمبر/ أيلول بذات العام إلا أن العقوبات تواصلت وزادت في أبريل الماضي ليصل الخصم من رواتب الموظفين إلى أكثر من 50% ، وأحال آلاف الموظفين للتقاعد والتقاعد المالي المبكر.

