فلسطين أون لاين

​عائلات غزية تلفظها عقوبات السلطة إلى العراء

...
مواطنون بغزة دون مأوى (تصوير / محمود أبو حصيرة)
غزة - أدهم الشريف

تعد ساحة السرايا المكسوة بالإنجيل الأخضر، واحدة من أهم المتنزهات بالنسبة لأهالي مدينة غزة المكتظة سكانيًا، لكنها بالنسبة للشاب محمد أبو جياب، ليست كذلك على الإطلاق.

إنه يتخذ من أحد جوانب المتنزه مكانًا للسكن؛ بعد أن ضاق به الحال وأبنائه الأربعة وباتوا بلا مأوى.

أما بنتاه، فهو لم يحضرهما لساحة السرايا قطعًا، وجعلهما أمانة لدى أقربائه.

يبدو في حالة تيه لم يعهدها من قبل وهو ينظر إلى أبنائه وما تركه الفقر من آثار اجتماعية وإنسانية عليهم بعدما كانوا يعيشون في بيت بالإيجار في معسكر الشاطئ، غربي مدينة غزة.

يقول إنه يتمنى أن يوفر حياة كريمة لهم، لكن لم يعد بإمكانه.

كان أبو جياب البالغ (36 عامًا)، يعمل موظفًا في جهاز الأمن الوطني التابع للسلطة، ويتقاضى راتبًا جيدًا، فيما لم يحسب حساب الأيام وما تحمله من مفاجآت.

لقد أصبح مدينًا للبنك الذي يتقاضى منه راتبه، تزامنًا مع تقليصات فرضتها السلطة في رام الله على رواتب موظفي السلطة في غزة؛ وتأخير في صرفها.

وترك كل هذا تداعيات خطيرة على أوضاع موظفي السلطة بغزة، البالغ تعدادهم 70 ألفًا. وكان أبو جياب واحدًا من هؤلاء.

"بفعل الخصومات على الرواتب وتأخير صرفها، لا يبقى لي شيء منه" يقول أبو جياب وهو يتكئ على الأرض.

ويضيف لـ"فلسطين": لم يعد باستطاعتي تسديد قيمة ايجار البيت الذي كنت أسكن فيه في مخيم الشاطئ (350 شيكلا شهريًا)، ولذلك أجبرني صاحب البيت على الخروج منه.

وبقدر ما يرتبط التواجد في ساحة السرايا بضوضاء المركبات المارة هناك، نظرًا لوقعوها في وسط المدينة، إلا أنها كانت في نظر أبو جياب ملاذًا أكثر أمنًا من المقابر التي مكث فيها 9 أشهر بعد أن غادر البيت المستأجر.

إنه يمكث في الساحة الخضراء منذ 21 يومًا، استطاع خلالها التأقلم في المكان الجديد الذي لجأ إليه.

ويمضي أبو جياب وقته في خيمة ربطها ببعض الأشجار المزروعة على الحافة الغربية لساحة السرايا وكذلك بالقضبان الحديدية لبعض اللوحات الإعلانية.

وفي ساعات النهار، يتنقل أبو جياب وأبنائه في السرايا بحثًا عن ظل يقيهم الشمس الحارقة، ومع حلول الليل يلجأ جميعهم إلى الخيمة للنوم والراحة.

ويبدو الأبناء في حالة إنسانية صعبة، ملابسهم رثة، نظراتهم تشي بحجم معاناة هؤلاء الأطفال الذين لم يظفروا كغيرهم بحياة كريمة في غزة مستقرة اقتصاديًا واجتماعيًا.

أما عن طعامه وشرابه وأبنائه، فيقول أبو جياب "إن أهل الخير يتكفلون بإطعامنا خلال رمضان. أما بعد رمضان سأعمل في أي شيء لتوفير قوت أبنائي".

وهذا الرجل البائس، وأبناؤه المساكين، ليسوا وحدهم في ساحة السرايا. فقد أفرز تردي الظروف الاقتصادية في غزة عائلات أخرى إلى العراء.

ويظهر صف من الخيام، غرب السرايا، يقطنها أكثر من 5 عائلات.

وتعود إحداها للمواطن طلعت الزهارنة، وهو يبلغ من العمر (47 عامًا)، ذو لحية سمراء كثة، وقصير القامة.

"كما ترى، أعيش هنا في العراء، فليس لي مأوى أعيش فيه.." قال لـ"فلسطين" وهو يخرج من خيمته.. بالكاد كان قادرا أن يفتح عينيه في وضح النهار بعد ساعات طويلة قضاها نائمًا.

يشكو هو الآخر من عدم قدرته على دفع ايجار بيت يأويه وأبناءه الثلاثة.

ويقول إنه لم يترك مكانًا مفتوحًا إلا ولجأ إليه وسكن فيه بعد أن ترك بيته الذي كان مستأجرًا فيه في حي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، مجبرًا لعدم تمكنه من دفع الإيجار الشهري".

وكان الزهارنة يعمل في الحجر القدسي بالضفة الغربية، الذي تحظى تجارته باهتمام بالغ فلسطينيًا، قبل أن يأتي إلى غزة ويستقر فيها لظروف أجبرته على ذلك.

ويقول، إنه بسبب تردي الأحوال الاقتصادية، بات غير قادر على إيجاد عمل يوفر من خلاله ما يمكنه من إعالة أسرته.

ولم يتكرر مشهد لجوء المواطنين في العراء إلا مع اشتداد الحصار واستمرار التقليصات على الرواتب ضمن سلسلة إجراءات عقابية فرضتها السلطة في رام الله على قطاع غزة قبل سنة من الآن.

ويقول مراقبون، إن هذه الإجراءات سببت تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية في القطاع المحاصر من (إسرائيل) منذ ما يزيد عن 11 سنة.

كما رفعت نسبة الفقر بين المواطنين في غزة وتعدادهم يزيد عن 2 مليون نسمة، على نحو غير مسبوق، وهو ما قد يدفع بالمزيد من العائلات الفقيرة إلى الشارع.