كان بنيامين نتنياهو، ووزيرة الثقافة والرياضة في حكومته، ميري ريغيف، يعدّان الدقائق، بشوقٍ مهول، في انتظار أن يصافحا يوم أمس السبت، قائد منتخب الأرجنتين لكرة القدم، واللاعب النجم الأشهر، ليونيل ميسّي، في ملعبٍ مقامٍ على أنقاض قرية المالحة الفلسطينية، المهجّرون أهلُها، في محافظة القدس المحتلة، بعد مباراة المنتخب الضيف مع منتخب (إسرائيل)، والتي كان التدبير أن تنعقد يوم أمس، بعد قرارٍ، طبَخَه نتنياهو والوزيرة المذكورة، بنقلها من ملعبٍ في حيفا إلى آخر أقلّ كفاءةً في القدس، لتندرج ضمن احتفالات الذكرى السبعين لقيام دولة (إسرائيل). خاب المسعى، وخاب التدبير، بعد إلغاء اتحاد كرة القدم الأرجنتيني المباراة، وامتناع قدوم المنتخب إلى (إسرائيل)، على الرغم من اتصاليْن هاتفيين، أجراهما نتنياهو مع رئيس الأرجنتين، يحثّه على التّدخل من أجل العدول عن قرار الإلغاء، لتتم الزّفّة الإسرائيلية المشتهاة، فرفض الرجل، متسلّحا باستقلالية قرار الاتحاد في بلاده.
أن يقال إن ما جرى انتصارٌ فلسطينيٌّ معنويٌّ كبير، هذا صحيحٌ. ويجوز للفلسطينيين أن يفرحوا به، ليس فقط لأن ميسّي "صفع" نتنياهو ووزيرته تلك، بحسب تعبيرٍ تردّد كثيرا في عدة تعليقاتٍ في الصحافة الإسرائيلية، وإنما أيضا لحالة الفزع التي تغشى، منذ يومين، أوساطا عريضةً في دولة الاحتلال، جرّاء هذا "النصر" الذي أحرزه الفلسطينيون، بالتعاون مع الحركة الدولية لمقاطعة (إسرائيل)، وهو أمرٌ كان يمكن تفاديه، لولا حماقة الوزيرة ريغيف التي تتعرّض إلى أعنف الهجمات من عموم الإسرائيليين، في اليمين واليسار والبيْن بيْن، وهي التي كانت تتلهف لصورة ليونيل ميسّي يقبل حائط المبكى، فتتاجر بها واحدا من إنجازاتها. والظاهر أن لوثة جنونٍ أصيبت بها هذه المرأة، فور إلغاء المباراة في ملعب المالحة، فأشاعت أن تهديداتٍ فلسطينيةً بقتل ميسّي وراء إلغائه المباراة. ويدلُّ تخريفٌ من هذا الطراز الرثّ على وجاهة مُشابَهة الكاتب في "هآرتس"، عوزي دان، الوزيرة الليكودية هذه بالغبيِّ الذي ألقى حجرا في بئر، وألفُ عاقل لن يستطيعوا إخراجه.
فعلا، ها هم في الحكومة وحواشيها، وفي جموع معارضاتها وموالاتها، ينشطون في التبخيس، ما أمكن، من قيمة ما أحرزته حركة المقاطعة الدولية، ومن جهود اتحاد كرة القدم الفلسطيني، الذي تستهدف رئيسَه، جبريل الرجوب، بعض الصحافة العبرية بكلامٍ ساقط، يدلّ على وضاعة أصحابه، منهم واحدٌ لم يستحِ من ادّعاء إن الرجوب نجح في إدخال الإرهاب إلى الرياضة، فيما لم يفعل الرجل سوى دعوة الفلسطينيين إلى حرق صور ميسّي، إذا ما فعلها وقدم للعب مع منتخب بلادِه في ملعب المالحة. وعندما تدخُل تسيبي ليفني، الوزيرة الليكودية السابقة، وجاسوسة الموساد في شبابها الآفل، في المشاجرة الإسرائيلية الراهنة، فذلك يعني أن الحجر الذي ضرب به ميسّي (إسرائيل) (غالبا من دون وعيٍ منه بقيمة ما فعل) ثقيل، وأن التعافي من الجروح التي أحدثها يحتاج وقتا. ولا حرج في الإشارة إلى أن ليفني أصابت في قولها إن إلغاء المباراة انتصارٌ كبيرٌ لحركة المقاطعة الدولية، وإن ميري ريغيف رعناءُ ومتعجرفةٌ، و"خلطت الرياضة بالسياسة".
والظاهر أن واحدا من حزمة أسباب الندب الإسرائيلي الذي استجدّ بعد "الصفعة" الأرجنتينية هو ما أشاعه من مخاوف من أن تقتدي مؤسساتٌ وشخصياتٌ عالميةٌ، فنيةٌ ورياضيةٌ وغيرهما، بالذي بادر إليه اتحاد كرة القدم الأرجنتيني، بعد ضغوطٍ مهمةٍ، فلسطينيةٍ وإسبانيةٍ، سيما وأن التأثير الإسرائيلي في الأرجنتين كبير، والمزاج الصهيوني هناك غير هيّن الحضور، ورئيس البلاد صديقٌ للدولة العبرية، كما أنه لم تُعرف عن ميسّي مواقفُ مناهضةٌ للوحشية العدوانية الإسرائيلية.
ومن أسفٍ، لا يمكن، في معرض الاحتفاء بهذا الإنجاز المعنوي الذي أحرزه الفلسطينيون، إلا أن يُؤتى على مشاركة فريقيْن في رياضة سباق الدراجات الهوائية، من البحرين والإمارات، في احتفاليةٍ بمناسبة ذكرى قيام (إسرائيل)، ومرور الفريقين في أراضٍ محتلة في القدس، بوصفها "عاصمة (إسرائيل) الموحدة"...