ما الذي حدث؟ وكيف يُمكن لهذه الدولة التي تدعى بأنها الأقوى في الشرق الأوسط أن تقبل بهذه الإهانة؟ وأين فعالية قوة الردع التي صدعوا رؤوسنا بها على مدار سنوات؟ أين أسطورة الجيش الذي لا يُقهر وترسانته العسكرية؟ أين وأين وأين؟ هذه الأسئلة ترددت على ألسنة الكثير من المحللين والمختصين في (إسرائيل) بعد الإعلان عن وقف العمليات القتالية بين المقاومة و(إسرائيل), مما دفع المستشرق آريه بخراخ للقول "لقد خسرت (إسرائيل) هذه الجولة أمام حماس ولن تغطي تصريحات ليبرمان ونتنياهو على هذه الروح الانهزامية" أما الصحفي بوعز جولان فقد وصف حكومة نتنياهو بمجموعة من الجبناء, وقد عبرت هذه التساؤلات عن حالة الإحباط التي شعر بها الشارع الإسرائيلي، كما دلت على أن المقاومة نجحت في إيصال رسائلها التي تحمل في طياتها عدة مؤشرات:
1- قدرة المقاومة على التعامل مع التطورات بحكمة وبرؤية ثاقبة فقد كانت خطواتها مدروسة إذ أنها لم تنجر للانتقادات والاتهامات بأنها تخلت عن طريق المقاومة, واختارت الوقت والمكان المناسب والوسيلة المناسبة للرد على الانتهاكات الإسرائيلية, أما عن التوقيت فقد تزامن مع سعى (إسرائيل) لفرض قواعد اشتباك جديدة, وكان ردها في مساحة محدودة لا تتعدي مستوطنات غلاف غزة وبوسيلة بدائية رغم امتلاكها القدرة على توجيه ضربات أكثر إيلاما.
2- انتهاء صلاحية الأسس التقليدية لنظرية الأمن الإسرائيلية في التعامل مع المقاومة في غزة, فقد ثبت عدم قدرتها على الحسم أو تحمل تداعيات الحسم خلال عدوانها الأخير عليها عام 2014, كما كشفت الجولة الأخيرة عن عدم فعالية قوة الردع, والأخطر من ذلك هو فشلها في توفير الإنذار وتحديد طبيعة الرد المتوقعة للمقاومة وهو ما اعترف به العقيد كوبي هيلر قائد اللواء الجنوبي.
3- حالة التناقض بين تصريحات أعضاء المجلس الوزاري المصغر وما يحدث على أرض الواقع, فرغم أن مؤشرات الهدوء كانت واضحة إلا أن بعضهم نفي الانباء التي تحدثت عن التوصل لتفاهمات, وقد تبين لاحقا بأن نتنياهو لم يطلعهم على التفاصيل وهو ما يثبت ما قاله عضو لجنة الخارجية والأمن عوفر شيلح بأن نتنياهو يتعامل مع المجلس الوزاري المصغر على أنه دميه سياسية, عدا عن ذلك فقد حرص كلا من نتنياهو على الظهور بمظهر القوى وأن الطرف الآخر هو الذي يرغب بوقف إطلاق النار.
4- كشفت عن محاولات (إسرائيل) التهرب من الحرج للحفاظ على صورتها أمام الرأي العام المحلي والدولي, فقد حرصت على تضخيم إنجازاتها وواصلت إطلاق تهديداتها, بل إن زعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بينت ذهب لأبعد من ذلك حينما ادعى بأن إيران هي التي تقف وراء الأحداث، متجاهلا الاعتداءات الإسرائيلية التي سبقتها.
5- أكدت الحقيقة التي تقول بأن (إسرائيل) تفتقر لرؤية واضحة في التعامل مع غزة, وأن ما تقوم به لا يعدو عن كونه إدارة الأزمات فقط, كما كشفت عن حجم الهوة بين رؤية المستوى العسكري الذي يطالب بتخفيف الحصار عن غزة باعتباره مصلحة أمنية لـ(إسرائيل) وبين المستوى السياسي الذي يحرص على منع المقاومة في غزة من تحقيق أي إنجاز سواء بالفعاليات السلمية أو العمليات القتالية, واستمراره في التعويل على إمكانية إخضاع المقاومة وإجبارها على القبول بإملاءاتها أو خروج الشارع الغزي ضدها.
6- الروح المعنوية العالية التي سادت في الشارع الغزي والتفافه حول المقاومة, لإيمانه بأنها الحل الأمثل للجم الاحتلال ووقف اعتداءاته, وفي المقابل كشفت عن هشاشة المجتمع الإسرائيلي وعدم قدرته على تحمل تداعيات المواجهة بعد أن اضطر مئات الآلاف من الإسرائيليين للمبيت في الملاجئ والغرف المحصنة, كما أشارت الاحصائيات إلى زيادة الطلب للحصول على مساعدات الدعم النفسي, والأهم من ذلك هو مطالبة بعض الأحزاب الإسرائيلية بوقف اطلاق النار في الساعات الأولى من بدء الأحداث وهو ما يتنافى مع المبادئ الأساسية للمجتمع الإسرائيلية التي تدعو لرص الصفوف في وقت الحرب أو العمليات العسكرية.
7- كشفت عن مدى مصداقية المقاومة سواء في الرد على العدوان أو التزامها بالاتفاقيات والتفاهمات وهو ما يعزز ثقة المجتمع الدولي والمحلي بوعودها.
هذه المؤشرات تضعنا أمام حقيقة باتت شبه مؤكدة وهي أن احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية بين المقاومة في غزة و(إسرائيل) تتزايد في ظل استمرار الحصار الخانق وانعدام الأفق, وهو ما يتطلب تدخل سريع من قبل المجتمع الدولي لمنع (إسرائيل) من مواصلة اعتداءاتها وانتهاكاتها للحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني ومطالبتها برفع الحصار عن غزة, كما يوجب على قادة الرأي العام في (إسرائيل) إقناع حكومتهم بأن تصحو من غفلتها وتتخلى عن غطرستها قبل فوات الأوان لأن نيران الحرب ستطال الجميع..