حياة استثنائية هي حياة الأسرى في رمضان كما يصفها الأسير المحرر من مدينة غزة عيد مصلح، فإنها أيام جلها ممزوجة بمشاعر مختلطة بين الحلم الذي يراود الأسير بالحرية والتحرر وواقع السجن المرير.
ولا تبدو أوجه المعاناة في ربوع السجن وعتمته وضيقه واحدة في أيام الشهر الفضيل؛ فهي كثيرة ومتنوعة، منها ما هو مرتبط بالسجان، ومنها ما هو مرتبط بالمشاعر المتعلقة بالأهل والأحبة، التي غالبًا ما تُغلف بالحزن والألم، وأحيانًا بالفرح والسرور، عندما يتذكر الأسير الحياة في رمضان بين الأحبة في رحاب حريته.
أوجاعٌ على أوجاعٍ هي حياة الأسير بداخل السجن _كما يصف الأسير المحرر عيد_ في شهر رمضان، لا تنفك عنه لحظة واحدة، فالروح تحلق عند الأهل والأحباب في جمعتهم عند كل إفطار أو سحور.
وفي مواجهة ما يكدر على النفس من قيد السجان، وضيق رحاب الجدران، يجد الأسرى في أيام الشهر الفضيل فرصة سانحة أمامهم للتنافس في العبادة، فكل منهم لديه برنامجه التعبدي الخاص من قراءة القرآن، وصلاة القيام، والتسبيح والاستغفار.
وليس غريبًا على الأسرى في سجون الاحتلال _وهم ذوو الصولة والجولة والنشاط والحيوية_ أن يختم الواحد منهم قراءة القرآن كاملًا في ثلاثة أيام وفي يومين، وفي جولة الشهر كله أكثر من عشر مرات، فهي علاقة روحانية إذ يرى الأسير في كلمات ربه ما يُسلي قلبه ويربط عليه في المحنة التي يعيش.
وفي مقابل الروح الإيمانية العالية التي يتمتع بها الأسرى تأبى إدارة السجون إلا أن تمارس دورها في إفساد "حلاوة الطاعة" بالتفتيش المقزز والتنكيل بهم، وأحيانًا باختلاق أزمات لا أساس لها لزيادة العقاب على الأسرى.
ومع ذلك لا يألو الأسرى جهدًا في أن يُلقوا أي استثناءات تعكر عليهم صفو الشهر الفضيل خارج زنازينهم، إذ إن حياتهم منظمة ودقيقة جدًّا تكاد تكون مرتبطة بعقرب الساعة، وهو ما يعني أن كل دقيقة لها برنامجها وعملها الخاص بها، ليفوزوا ما أمكن بخيرات الشهر الفضيل.
"كل شيء يبدو صغيرًا" يقول الأسير المحرر عيد أمام الطاعة المفعمة بالإيمان النقي الصادق المجرد من الرغبات، غير أنهم يتطلعون إلى يوم يكون فيه شهر رمضان في فضاء الحرية، يتنقلون فيه بين المساجد للعبادة، ويتسامرون ويأكلون بين الأهل والأصدقاء والأحباء والأرحام جميعًا.