فلسطين أون لاين

"بصمة العودة" في ليالي رمضان شرق غزة

...
كتب/ نبيل سنونو:

ربما ينصب اهتمام الناس حول العالم فقط على "القطايف" أو المسلسلات أو جلسات السمر بعد الإفطار، إلا في فلسطين وخصوصا في قطاع غزة، يجمعهم حق العودة في أمسيات ثقافية ووطنية، على مقربة من السياج الفاصل مع الأراضي المحتلة سنة 1948.

النساء والأطفال والرجال يأتون من كل مكان في قطاع غزة، ومنهم لاجئون شردتهم العصابات الصهيونية من أراضيهم، إلى خيام العودة، يهتفون لفلسطين، ويبدون ثقة عميقة بأنهم سيرجعون يوما إلى مدنهم وقراهم، رغم أن جنود الاحتلال المدججين بأعتى أنواع الأسلحة يتمترسون خلف السياج.

1 إرادة

بعد أمسية حماسية في خيمة العودة شرق غزة، تخللها الإنشاد وإلقاء الشعر الشعبي والدبكة، كان شاب مصاب يتجول في المنطقة التي يرصدها جيش الاحتلال من كل جانب، بروح معنوية عالية كأنما لم يصب يوما.

يتوكأ على عكاز، وترتسم على وجهه القمحي ابتسامة عريضة، قائلا لصحيفة "فلسطين" بينما يسير على مقربة من خيمة العودة: "كل يوم بعد الإفطار نأتي إلى هنا وننظم أمسيات وجلسات تتحدث عن التراث، وحق العودة والأرض وفلسطين والقدس وتوعية الشباب والأطفال".

يريد الثلاثيني عماد عبيد، أن يرسخ في نفوس الجميع أن للشعب الفلسطيني حقوقا وأهدافا لا بد أن ينجزها، وأنه "يسير على درب الشهداء والجرحى والأسرى حتى تحقيق أهداف الفلسطينيين والحياة الكريمة".

كان عبيد –كما يقول- ثاني فلسطيني يصاب بمسيرة العودة وكسر الحصار السلمية شرق غزة، مضيفا: "أصبت في قدميّ الاثنتين وأنا أشارك في المسيرة، عندما توجهت لرفع علم فلسطين على السلك الفاصل، لأقول: إن هذه فلسطين أرضنا".

وما كان من جنود الاحتلال إلا أن قابلوا هذه المحاولة لرفع علم فلسطين بإطلاق الرصاص الحي تجاهه، ما أدى إلى إصابته بقدميه.

ووقعت هذه الحادثة قبيل اليوم الأول لانطلاق المسيرة في 29 مارس/آذار الماضي، حيث كانت تجري تحضيرات ونصب الخيام الخاصة بمسيرة العودة.

رغم ذلك عاد عبيد للمشاركة في فعاليات المسيرة السلمية، لأن "هذه إرادة نابعة من الروح الفلسطينية، من القلب".

وعبيد ليس من اللاجئين المهجرين، لأنه من سكان غزة أصلا، لكنه يعتبر أنه لاجئ حتى يعود جميع الفلسطينيين الذين هجرتهم العصابات الصهيونية إلى ديارهم المحتلة.

يقول: "أقوم بذلك تضامنا مع إخواني اللاجئين الفلسطينيين، وأقف إلى جانبهم وقفة الحق والعدالة، ونضحي لأجل ذلك، ونسير على نهج القرآن الكريم".

وحضور جميع فئات الشعب الفلسطيني من النساء والأطفال والرجال والمسنين إلى خيام العودة، يدعو إلى الفخر، كما يضيف الشاب، "لأن ذلك يدلل على أن الشعب الفلسطيني رغم مأساته لديه حس وطني ولا يمكن أبدا أن ينسى حقه ومواصلة السير حتى تحقيق أهدافه".

ويبدي عبيد ثقة تامة بتحقق العودة، قائلا: "عندي إيمان بقدرة الله أولا، ثم بقدرة الشعب الفلسطيني على تحقيق ذلك".

ولم يفته أن يشير إلى أن الفلسطينيين العزل المشاركين في المسيرة، يستطيعون بإرادتهم أن يقهروا الاحتلال الإسرائيلي وأسلحته وطائراته.

مضى عبيد في طريقه بخيام العودة، متعهدا بالاستمرار بالمشاركة.

2العودة قريبة

كانت هتافات الحاضرين في أمسية ثقافية في خيمة العودة شرق غزة تتصاعد: "الأرض بتتكلم عربي.. وراجعون.."، مظهرة حماسة الجميع للعودة.

أيمن أبو عبدو (41 عاما) كان حاضرًا للمطالبة بحقه بالعودة إلى قرية السوافير الغربية، حيث جذور عائلته.

يُعرِّف أبو عبدو، كحال كل اللاجئين، من يراهم على قريته المحتلة منذ 1948، عندما رحَّلت العصابات الصهيونية أكثر من 800 ألف فلسطيني عن أراضيهم، بأكثر من 30 مجزرة موثقة، وتدمير 530 قرية فلسطينية، وأوامر مباشرة من قادة وجنود هذه العصابات.

"للأسف، منذ فترة طويلة والاحتلال والمعاناة ترافق الشعب الفلسطيني"، يقول أبو عبدو في دردشة مع صحيفة "فلسطين"، مؤكدا أن المشاركة في مسيرة العودة وكسر الحصار السلمية "واجب على كل فلسطيني".

ودأب هذا اللاجئ الفلسطيني على اصطحاب أطفاله إلى خيام العودة لتحقيق هدف يغرسه دائما في عقولهم ووجدانهم.

هذا الهدف يعبر عنه بقوله: "العودة ستتحقق يوما ما، هذا يجب أن يعرفه أولادي، أن لهم حق ووطن مسلوب ويجب أن يعودوا إليه، وإن شاء الله يتمكنوا من ذلك، إن لم يكن في عهدنا ففي عهدهم وإن لم يكن كذلك ففي عهد أحفادنا.. العودة قريبة".

3 رسالة

بين مئات النسوة اللاتي كن يحضرن أمسية ثقافية، اتخذت أم أشرف موقعها حيث كانت ترقب من كثب الدبكة الشعبية، والفنون التراثية الأخرى، كما استمعت إلى أنشودة "موطني" الشهيرة.

تحمل الخمسينية أم أشرف في قلبها وعقلها رسالة الوطن، كما تقول لصحيفة "فلسطين"، ولذلك تحرص على المشاركة في فعاليات العودة.

بدا التجمع النسائي إلى جانب آخر خاص بالرجال، رسالة واضحة للاحتلال الإسرائيلي بأن الشعب الفلسطيني له كلمة واحدة، هي العودة التي استحقت أن يخصص الجميع أوقاتهم لأجلها.

معظمهن اصطحبوا أطفالهن ليرسخوا في نفوسهم هذه الرسالة، التي يؤكدن أنها تنتقل من جيل إلى جيل، حتى إنهاء الاحتلال، عسى أن يكون ذلك قريبا.