قبل الرابع عشر من مايو/ أيار الجاري، كان الشهيد مهند أبو طاحون يخطّ مستقبله وحلمه، يتمنى أن تجري الأيام ويجلس على مقاعد الثانوية العامة وينتهي من اختباراتها، ويسير نحو حلمه بدراسة القانون ليعمل بمكتب شقيقه الأكبر المحامي بسام، لكن الأيام مرت والامتحانات بدأت، ومهند لم يحضر، غاب وسيغيب إلى الأبد، وقطعت رصاصة إسرائيلية ذلك الحلم.
في الرابع عشر من مايو/ أيار 2018م.. التاسعة والنصف صباحًا جلس مهند على عتبات باب منزله، قابله شقيقه بسام، وطلب منه مرافقته لمتجر بيع المواد الغذائية، وقام بشراء بعض الحاجيات المتعلقة بشهر رمضان المبارك وذهبا إلى المنزل، وما هي إلا ساعة ونصف مرت على هذا اللقاء حتى تلقى بسام خبر إصابة شقيقه.
بداية الإصابة
أصيب مهند بطلق ناري في الرأس خلال مظاهرات مسيرة "مليونية" العودة، شرق مخيم البريج، أدخل في إثرها إلى غرفة العناية المكثفة بمستشفى شهداء الأقصى وكان ينزف بشدة، وهناك اعتقد الأطباء أنه ارتقى شهيدًا، لكنه لم يستشهد وجرى تحويله لمستشفى الشفاء، ومن ثم جرى تحويله إلى مستشفى الأهلي في الخليل، لكن كل محاولات إنقاذ حياته لم تكلل بالنجاح نظرًا لخطورة إصابته، فغادر الدنيا وترك أحلامه وحيدة تبكي رحيله.
بسام الذي كان قدوة الشهيد مهند، سيذهب لمكتبه للمحاماة والاستشارات القانونية كل يوم ولن يجد أخاه الذي كان يأتي بشكل يومي للمكتب لمساعدته، يقول بسام: "كان يساعدني بالمكتب، يستقبل الناس يرحب بهم، ويتابع طباعة الملفات في غيابي، حتى أصبح لديه إلمام في المحاماة وأخبرني أنه سيدرس القانون بعد اجتياز الثانوية العامة".
يذكر بسام مناقب شقيقه الشهيد: "كان شابًا خلوقًا، وهو من النوع الذي لا يحب مضايقة الآخرين، يحب التضحية من أجل إخوته الستة"، ودائما ما كان يراجع بسام مع شقيقه الشهيد المتطلبات الدراسية، ساعيًا لتوفير جو من الدراسة والتعليم والفهم، حتى أحب مهند العلم.
أمنية وحلم
"نفسي أعيش مع الشهداء وأتزوج من الحور العين.. نفسي أعمل حاجة لله"، هذا الكلام دائمًا ما كان يردده مهند لشقيقه، ويقول شقيق الشهيد: "رغم قلة حيلته وصغر سنه، إلا أنه كان يحب الله والجنة، كان يشعر بالضيق إذا ما شاهد جنازة شهيد، ليس حزنًا على الشهيد فقط، وإنما حزن على نفسه لأنه كان يريد أن ينالها".
وفي صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"؛ كان مهند شهيدًا حيًّا بمنشوراته، بتاريخ 6 من مارس/ آذار كتب: "يا معشر الرجال والنساء ..لتكن بيوتكم عرينًا للأسود.. اغرسوا في أبنائكم حب الجهاد وأهله".
وخط قلمه قبل ذلك بأيام "تَرَانِي ٱليَوْمَ مُبْتَسِمًا وَلَكِنْ بقلبِيَ مِنْ لظَىٰ ٱلأَحْزَانِ نَارُ، بلَادُ ٱلمُسْلِمِينَ لَهَا أَزِيزٌ فَمَنْ لَا يأسفَنَّ وَلَا يَغَارُ!"، ويوصي في منشور آخر: "اصنع لنفسك يوم جميل مهما كانت الظروف من حولك.. فيومك ستعيشه في كل الأحوال فاختر أن تعيشه سعيد".
"ماذا أقول؟".. بدأت الدموع تهرب من عيني شقيق الشهيد إلى خدّه، اختلط الحزن بالمرارة في نبرة صوته، بعد أن انفكت صلابته وتماسك فالفراق صعب، وقال: "هذه المرة الثانية التي يذهب فيها إلى التظاهر في مسيرات العودة، لكن حلمه تلاشى ونال حلم أكبر وهو نيل الشهادة".
مهند الذي كان يحلم، حسبما يذكر شقيقه، أن يعيش لحظات تحرير فلسطين، تأثر بشخصية الشهيد مهند الحلبي مفجر انتفاضة القدس مطلع أكتوبر/ تشرين أول 2015، ودائمًا ما كان يستمع إلى أنشودة "عشاق الطعن"، عشق الشهيد السباحة كثيرًا وأظهر مهارة كبيرة، وعشق البحر فلطالما كان يذهب للشاطئ لعله يخبئ أسراره في أعماقه.
ومع انطلاق امتحانات الثانوية العامة "الإنجاز" للعام الحالي 2018، تفتقد وزارة التربية والتعليم العالي الشهداء الطلبة، من بينهم الطلبة الشهداء إبراهيم الزرقا وبلال الأشرم ومهند أبو طاحون الذين استشهدوا بنيران الاحتلال خلال مسيرة العودة قبل عدة أيام.
وكانت امتحانات الثانوية العامة انطلقت أمس في محافظات الوطن بمشاركة 75 ألفًا و400 طالب وطالبة على مستوى الوطن منهم ما يقارب 31 ألف طالب وطالبة من محافظات قطاع غزة.