لم يتجاوز مرحلة الطفولة بعد، ولكنه حمل على عاتقه حِملا أكبر من عمره، فارتدى تلك الملابس الغريبة ذات الألوان الزاهية والمتناقضة التي تجذب أنظار الأطفال، وغطى أيضًا وجهه بألوان مبهرجة، حيث العيون ذات الجفون المرفوعة، ووضع أنف المهرج الأحمر، وانطلق بكل ثقةٍ بين أسرَّة الأطفال المرضى في المستشفيات يتنقل بكل سلاسة لعله يستطيع أن ينسيهم آهاتهم وأوجاعهم التي تهز عرش أجسادهم من خلال ابتسامته التي لا تغادر وجهه، والحركات المتتالية والسريعة والمضحكة لينشر الفرح والسعادة في أرجاء المكان.
إنه الطفل المهرج مجد الجوجو ( 12 عاما) يسعى إلى إعادة البسمة لأطفال سلبت منهم بسبب الوجع والمرض والحرب والفقد في مجتمع اختفت فيه تفاصيل الحياة بسبب الحصار الذي أدمى أهله.
رغم صغر سنه إلا أنه يسير طريقه وفق شعارٍ وضعه أمامه وهو: "هدفي أن أرسم الابتسامة على وجوه الآخرين ولأنشر السرور والمرح دائمًا، إذ يجب أن يكون التفاؤل هو أساس حياتنا فدونه لا نصلح للحياة".
تمكن الطفل الجوجو من أن يرسم البسمة على وجوه الأطفال بسبب قربه لقلوبهم نظرًا لأعمارهم المتقاربة، ومن خلال عروضه البهلوانية وحركاته الخفيفة، تسنى له أن يخلق أجواء الفرح والسعادة في الزيارات الميدانية للمستشفيات، وأعياد الميلاد والحفلات.
وقال: "استطعتُ تعلم هذه الحركات من خلال مرافقتي لأخي الأكبر محمد 22 عامًا الذي منذ صغره مارس هواية العروض البهلوانية، أتذكر أني في إحدى الحفلات حضرتُ مع أخي وأثناء ممارسته للعرض وجدتُ طفلًا يبكي، لم أتوان للحظة في الذهاب إليه وجلستُ بجانبه لتهدئته، وعملتُ على إضحاكه من خلال حركاتٍ مضحكة أمامه فكف عن البكاء، فذلك كان دافعًا نفسيًا كبيرًا لأعمل مهرجا لهؤلاء الأطفال".
ولدى أخيه فرقة تعمل في مجال التهريج والسيرك والخدع والدمى منذ صغره، فكان لا يفوت عرضًا إلا ويذهب معه ليتفرج ويشاهد، فأحب ذلك وتعود عليه من خلال مشاهدته الدائمة للعروض، وبعد موقف الطفل اندمج في ذلك بشكل أكثر فعلمه أخوه السيرك، واستطاع أن يشمي بالعصيّ الطويلة، ولأن محمدا مهرج طبي لأطفال مرضى السرطان أصبح يستغل مهارة مجد باصطحابه في المستشفى ويشجعه على أداء العروض لأن الابتسامة عندما تخرج من طفل تكون أقوى وأقرب لقلوب المستقبلين.
وقاطع حديثه ليكمل عن مجد: "رغم أنه طفلٌ ويحتاج لأحد يهتم به ويسعده، إلا أن العمل والميدان يجعلان الشخص قادرًا على الاعتماد على نفسه، لا سيما والدي الذي كان الداعم والذي وقف إلى جوارنا وكان يشجعنا ويقول لهما: "لو استطعت إضحاك شخص فهذا أكبر إنجاز؛ وحسب علمي أن علاج الأطفال المرضى بالضحك يزيد المناعة ويفرز هرمون الأندروفين بالجسم الذي يعمل على الاتزان وتحسين المزاج للطفل".
تمكن محمد من أن يكسر حاجز الخوف عند الدخول إلى الأطفال المرضى وأجسادهم النحيفة وهم يستقبلون جرعات الكيماوي والمحاليل الطبية المعلّقة بأيديهم، وأصبح يتعامل مع الأطفال بشكل تلقائي، حتى أنه لا يتقبل إلغاء أي زيارة، وصار يعتمد عليه في أصعب أمور التهريج الطبي.
وأضاف مجد: "أشعر بسعادةٍ كبيرة لتعاملي مع الناس عامة والأطفال خاصة، فأصبحت لدي علاقات كثيرة وطيبة مع الناس، وأحظى باهتمام منهم".
ويؤكد الأخوان أنهما كمُهرّجين كانا في البداية يواجهان مشاكل في المجتمع، بسبب ضعف الثقافة العامة تجاه التهريج، فيعتقد البعض أنها "مسخرة"؛ ولكن استطاعا أن يفرضا احترامهما بين الناس.
ووجود مجد بصحبةِ محمد خاصة في زيارة مستشفى الأطفال مهَّد له الطريق، خاصة أن البعض لا يتقبل وجود أشخاص بهيئةٍ غريبة، ولكن لقرب العمر بينهما يسَّر التواصل؛ ليندمج الطفل ويتشبث بالحياة من جديد.
رغم قلة الإمكانيات والأدوات والتي تقف في بعض الأحيان كعقبة في طريقهما، إلا أنهما لم يتنازلا عن هدفهما الأسمى وهو السعي لنشر الابتسامة بأقصى جهدٍ ممكن على شفاه الجميع وخاصة الأطفال الذين تسلب منهم الحياة أبسط حقوقهم.