معماره المميز وجماليته الاستثنائية ليست الاستثناء الوحيد في جامع الزيتونة، بل شكّل دورًا حضاريًا وعلميًا رياديًا في العالمين العربي والإسلامي، إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه.
وتعددت الأسماء التي تطلق على الجامع، جامع الزيتونة المعمور، أو الجامع الأعظم، وهو المسجد الجامع الرئيس في مدينة تونس العتيقة في العاصمة التونسية، وأكبرها وأقدمها.
وتأسس جامع الزيتونة بأمر الغساني حسان بن النعمان وانتهى بناؤه في 698م أثناء الفتح الإسلامي لتونس، ثم قام بتوسيعه قليلا في 704م، بعد ذلك أمر والي أفريقيا الأموي عبيد الله بن الحبحاب بإتمامه وكان ذلك في 732م.
ويقع الجامع على مساحة 5000 متر مربع، ولديه تسعة أبواب، وقاعته الداخلية تتكون من 184 عمودًا، آتية أساسا من الموقع الأثري بقرطاج، وشغل منصب الدفاع عن المدينة لمدة طويلة لأنه يطل على البحر وذلك عبر صومعته.
وترجع تسمية جامع الزيتونة بهذا الاسم، لأن نواة الجامع في الأصل كانت في أرض تتوسطها شجرة زيتون ومن هنا جاءت التسمية.
ولعب جامع الزيتونة دورا طليعيا في نشر الثقافة العربية والإسلامية في بلاد المغرب العربي، إذ اتخذ مفهوم الجامعة الإسلامية منذ تأسيسه وتثبيت مكانته كمركز للتدريس، وذلك عبر جامعة الزيتونة.
وتأسست في رحابه أول مدرسة فكرية بإفريقيا، وأشاعت روحًا علمية صارمة ومنهجا حديثا في تتبع المسائل نقدا وتمحيصا، ومن أبرز رموز هذه المدرسة علي بن زياد مؤسسها وأسد بن الفرات والإمام سحنون صاحب المدونة التي رتبت المذهب المالكي وقننته.
وقاوم جامع الزيتون بصلابة محاولات القضاء على انتماء تونس العربي الإسلامي، خلال فترة الاستعمار الفرنسي، محافظا على الثقافة العربية الإسلامية لها.
وشكل الجامع درع الدفاع عن اللغة العربية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ هذا البلد بعد أن فقدت اللغة العربية كل المدافعين عنها تحت تأثير وسيطرة الاستعمار، مما جعل المقيم العام الفرنسي يقول: "عندما قدمت إلى تونس وجدت أكثر من عشرين ألف مدافع عن العربية", وهو يقصد طلاب العلم في جامعة الزيتونة.