للمرة الأولى منذ "ثماني سنوات" لم تجتمع الشابة الفلسطينية أسماء أبو دقة (24عامًا)، مع زوجها محمد أبو دقة (28عامًا)، وأطفالها الثلاثة، على مائدة الإفطار الرمضانية، بسبب رصاص الاحتلال الإسرائيلي الذي أصابها وزوجها، خلال مشاركتهما في مسيرات العودة مؤخرًا.
وأصيبت "أسماء" برصاص مُتفجر في قدمها اليُمنى، خلال مشاركتها في المسيرات، الاثنين الماضي (14 أيار/مايو)، ما تسبب في تهتك كبير في العظام والعضلات والأعصاب، أفقدها القدرة على الحركة من سرير المستشفى.
أما زوجها "محمد" فأصيب أيضاً في قدمه، خلال مشاركته في ذات المسيرات، يوم 6 أبريل/نيسان الماضي.
وهذه الإصابة الثالثة لزوجها، حيث سبق أن أصيب في عام 2008 بيده، وفي عام 2015 في ساقه برصاصة إسرائيلية مُتفجرة.
ويقضي أطفال "أسماء" الثلاثة: عمر (7 سنوات) وليان (5 سنوات) وأمير (4 أشهر)، معظم وقتهم لدى أهل والديْهما.
كما يزور الأطفال المشفى، بشكل شبه يومي، نظراً لطلبهم المتكرر لرؤية والديهما.
ولدى وصول أطفالها مع جدتهم للمستشفى الأوروبي الذي ترقد فيه، سارعوا للصعود للسرير لاحتضان والدتهما، التي لم تستطع التحرك والنزول لاستقبالهم، وبقيت تقبلهم لبعض الوقت، وأجلستهم بجوارها؛ وعاد هذا المشهد بابتسامة عريضة شقت وجهها، بعد أن غيّبها ألم الإصابة لأيام.
تقول "أسماء":" لم أكُن أفكر يومًا في الذهاب والمشاركة في مسيرات العودة، خشية على حياتي؛ لما أسمعه وأشاهده من حالات قتل من قبل جنود الاحتلال للمتظاهرين، حتى أُصيب زوجي في قدمه، فقررتُ المشاركة وخوض التجربة، فتوجهت للحدود بدءًا من الجمعة الرابعة".
وأشارت إلى أنها كانت تتقدم الصفوف الأولى للمتظاهرين وتقدم الماء لهم، وتشارك في إسعاف الجرحى، وهو ما عرضها للاختناق عشرات المرات.
ولفتت إلى أنها كادت أن تُصاب في أحد الأيام، لولا تحذير شاب لها، حيث نبّهها أن "القنّاص" يصوّب سلاحه نحوها.
لكنها توضح أن ذلك الشاب، الذي عرفت لاحقاً أن اسمه "سعد أبو طه"، أُصيب في عنقه بعد لحظات من تحذيره لها، واستشهد على الفور، مضيفة:" تأثرت كثيرًا بالمشهد، لكنني لم أتراجع وزدت إصراراً على الاستمرار".
وحول يوم إصابتها، تقول أسماء:" يوم نقل السفارة الأمريكية للقدس، (14 مايو/أيار) توجّهت مع حشود من الناس للمشاركة في المسيرات قرب السياج شرقي بلدة خزاعة بخان يونس؛ فشاهدت عدداً كبيراً من جنود الاحتلال يطلقون النار بشكل عشوائي، والإصابات تقع بالجملة، ولم يرحموا أحدًا، رغم ذلك تقدمت صفوف المتظاهرين".
وتتابع:" شاهدت شاباً مُصاباً يختبئ خلف حاوية فارغة تبعد عن السياج حوالي (مترًا)، وسارعت لمساعدته وإسعافه".
وتكمل:" في المرة الثانية، كانت هناك فتاة مصابة في القدم في مكان قريب من المكان السابق، فوضعت يدي على رأسي، بعد أن أشرتُ لجنود الاحتلال كي يفهموا أنها مصابة على الأرض، وأنني أريد إنقاذها، فأشار جندي بيده (تقدمي) وتقدمت".
لكنها أشارت إلى أنها ندمت على وثوقها بالجندي الإسرائيلي، حيث أنها بعد أن سحبت الفتاة الجريحة، أطلق عليها النار وأصابها في قدمها.
وتضيف واصفة المشهد:" سحبت الفتاة وأثناء خروجي استدرت وجهي ورأيت الجندي يصوّب سلاحه نحوي، وأطلق رصاصة أصابت قدمي، وشعرت أنها بُترت وانفصلت عن جسدي، فاستلقيتُ على الأرض ووقعت المُصابة من يدي".
وتكمل:" لم يكتف الجندي بذلك بل ألقى علينا قنبلة غاز مسيل للدموع، وبقينا حتى تمكن شبان من الوصول لنا ومساعدتنا، وللأسف فقد أُصيب البعض منهم كذلك".
أجواء مختلفة
وحول استقبالها لشهر رمضان، وسط هذه الأوضاع الصعبة، تقول:" أبنائي في مكان، وأنا وزوجي في مكان، حتى أنه تعطل عن عمله، بسبب الإصابة، ووضعنا الاقتصادي يزداد سوءاً".
وتكمل:" نعيش في منزل بالإيجار؛ فيما حُرم طفلي الرضيع من أبسط حقوقه وهي أن يكون معي، خاصة وأنه مُصاب بمرض في القلب ويحتاج لحليب ورعاية خاصة".
وتقول "أسماء"، إنها فقدت الأمل في عودتها السير على قدمها مُجددًا.
لكنها تؤكد أنها غير نادمة على ذلك، مضيفة:" سأعود للمشاركة حال استمرت مسيرات العودة حتى لو فقدت أجزاءً أخرى من جسدي (..) سنبقى ندافع عن فلسطين حتى تحريرها".
وبحسب وزارة الصحة الفلسطينية، فإن 112 فلسطينياً استشهدوا وجرح 13190 (بينهم 1029 سيدة، و2096 طفلاً) جراء اعتداءات جيش الاحتلال على المشاركين السلميين في مسيرة العودة منذ 30 مارس/مارس الماضي، وحتى الآن.
أما الزوج الجريح "محمد"، والذي اتكأ على عكازه بجوار زوجته، فيُشير إلى أنه أصيب برصاص الاحتلال ثلاث مرات، وهو ما سبب له ضرراً كبيراً في ظهره وقدمه.
ويقول:" لا أقدر على العمل مُجددًا، كما أن وضعي المادي قبل الإصابة الأخيرة كان صعباً، والآن أصبح أصعب من السابق، وأتمنى مساعدتنا، خاصة في علاج زوجتي".
ويوضح إلى أنه شارك باستمرار في المسيرات السلمية ضد الاحتلال منذ سنوات عديدة، وعاد للمشاركة في مسيرة العودة منذ بدايتها، حتى أصيب للمرة الثالثة في ركبته، وأصبح يعاني من مشاكل في أعصاب قدمه، ولا يقدر على السير بشكل جيد.
ويختم "محمد" حديثه قائلاً:" حياتنا الأسرية في شهر رمضان، كئيبة، فأنا مصاب مع زوجتي، ولا نستطيع أن نجتمع على مائدة واحدة، فيما أطفالنا مشتتين بين أهلينا".