السؤال الذي يدور في ذهن المتابعين للقضية الفلسطينية: إلى أين تذهب حركة فتح؟ وجلُّ الإجابة تحملها طيات المؤتمر العام السابع، الذي كشف توجهاتها في مختلف الملفات، لاسيما تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وبنيتها الداخلية.
قذف المؤتمر العام السابع، الذي اتخذ رئيس الحركة والسلطة الفلسطينية محمود عباس قرارا حاسما بعقده في رام الله في 29 نوفمبر 2016، بالقيادي المفصول من فتح محمد دحلان إلى خارج صفوفها، لكن تصريحات قادة مفصولين من الحركة تؤكد أن هناك "حراكا" تجري مناقشته ردا على المؤتمر السابع، الذي لا يعترفون بشرعيته.
لكن ليس هذا هو الحدث الساخن الوحيد، فالبرنامج الذي تبناه المؤتمر السابع، وهو من حياكة عباس، تبنى ما أسماه "السلام العادل" وتمسك بالتسوية التي أقر بفشلها في تحقيق تقدم، واستبعد الكفاح المسلح ضد الاحتلال.
لم يكن هذا المؤتمر نتيجة دون مقدمات، فالمقدمات كانت واضحة وجلية، وعلى سبيل المثال فيما يتعلق بالصراع بين عباس ودحلان، الذين تصاعدت الاتهامات بينهما في 2016.
محطة حاسمة في هذا الصراع، كانت في الرابع من أيلول/ سبتمبر 2016م في خطاب لعباس، أبدى فيه ما اعتبره مراقبون "تحديا" لما عُرِفت باللجنة الرباعية العربية من دون أن يسميها، والتي تضم مصر والأردن والإمارات والسعودية، بشأن خطواتها لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وإعادة دحلان للحركة، قائلا: "لا أحد يملي علينا موقفا".
وخلال كلمته بالمهرجان المركزي لإحياء الذكرى الـ12 لرحيل الرئيس ياسر عرفات، في رام الله، في 10 نوفمبر الماضي، أكد عباس أنه يعرف الجهة التي تقف وراء رحيل عرفات، قائلا: "لا زال التحقيق في استشهاد الأخ أبو عمار مستمرا، سنظل وراءهم لنعرف من الذي فعل ذلك، ولو سألتموني أنا أعرف لكن لا تكفي شهادتي، لكن لا بد للجنة التحقيق أن تصل، لتنبش من الذي فعل هذا؟ وفي أقرب فرصة ستأتي النتيجة وستدهشون منها ومن الفاعلون لكنهم سيكشفون".
وعقب تصريحات عباس بشأن معرفته للقاتل، قال دحلان في منشور له في موقع التواصل "فيس بوك": "من العار السكوت عن شخص مثل محمود عباس وهو يدعي معرفة منفذي تلك الجريمة الكبرى لكل ذلك الوقت دون مطالبته بتسجيل ونشر إفادته على الملأ، غير أنه ليس الشخص المؤهل لتوزيع الاتهامات وهو شخصياً في قفص الاتهام والمستفيد الوحيد من تغييب أبو عمار عن المشهد"؛ على حد قوله.
وفي مقدمة مؤتمرات ربطها مراقبون بدحلان، انعقد في 17 أكتوبر/ تشرين أول الماضي مؤتمر حضره 100 شخص، بتنظيم من المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في منتجع "العين السخنة" في مصر، حول الواقع السياسي للقضية الفلسطينية.
تلا ذلك مؤتمر اقتصادي في السابع من نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، حضره رجال أعمال من غزة.
وفي خطوة وصفها مراقبون "بالمناورة السياسية الموجهة للرباعية العربية"، زار عباس في 24 من أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تركيا في جولة رسمية استمرت ثلاثة أيام، ناقش خلالها قضايا المصالحة والشأن الفلسطيني.
وجمع عباس لقاء في قطر، مع رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" خالد مشعل، ونائبه إسماعيل هنية، في 28 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، بحضور وزير خارجية قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لكن عباس لم يقم بأي خطوات على الأرض لتحقيق الوحدة، في حين قالت حماس آنذاك إنها عرضت رؤية متكاملة لتحقيق المصالحة الفلسطينية، عبر آليات عمل وخطوات محددة لتطبيق الاتفاقيات السابقة في القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ بغزة.
"عاصفة السابع"
بدا المؤتمر السابع الذي عقده عباس كعاصفة اتضحت بعض آثارها، ولا تزال تساؤلات بحاجة إلى إجابات منها من سيكون خليفة لعباس مستقبلا في رئاسة الحركة؟
افتتح المؤتمر بنبأ انتخاب عباس رئيسا لـ"فتح" مرة أخرى، وأغلق الباب أمام عودة دحلان إلى اللجنة المركزية للحركة، وأظهرت نتائج انتخابات اللجنة خلال المؤتمر احتفاظ 12 عضوًا سابقًا بمناصبهم ودخول ستة أعضاء جدد فقط.
وأعضاء "مركزية فتح" المنتخبون هم: مروان البرغوثي (الذي حصل على أعلى الأصوات)، جبريل الرجوب، محمد اشتيه، توفيق الطيراوي، الحاج إسماعيل، عزام الأحمد، صائب عريقات، محمد المدني، حسين الشيخ، محمود العالول، دلال سلامة، ناصر القدوة، عباس زكي، سمير الرفاعي، أبو ماهر حلس، روحي فتوح، صبري صيدم، جمال محيسن.
وعلى صعيد البرنامج السياسي، تبنى المؤتمر "التمسك (بما وصفه) السلام العادل والشامل كخيار استراتيجي"، وما أسماه "المقاومة الشعبية السلمية".
ويتوقع الكاتب والمحلل السياسي تيسير محيسن ألا ينتهي الصدام بين دحلان وعباس بانتهاء المؤتمر السابع، معتبرا أن ما استطاع أن يحصل عليه عباس من خلال المؤتمر السابع هو أن يحصن موقعه التنظيمي من خلال الشخصيات التي صعدت إلى "المركزية" والمجلس الثوري لفتح.
ويؤكد محيسن، لصحيفة "فلسطين" أن عباس استطاع أن يبعد شخصيات أو مؤيدي دحلان عن مواقع التأثير في بنية التنظيم.
ويرى أن عباس لم يحقق آمال فتح في قطاع غزة، "الأمر الذي لاقى استياء كبيرا في بنية فتح في غزة"، معتقدا أن فوز عدد محدود من قادة الحركة في غزة بعضوية "المركزية" و"الثوري"، يدلل على "التجاهل للقطاع".
ويرجح أن "يستغل" دحلان ذلك، في استقطاب العديد من الشخصيات الوازنة في فتح بغزة، مما يؤدي إلى "زيادة الشروخ في بنية فتح" في القطاع، متابعا: "دحلان بعد المؤتمر سيستعد للتجهيز لإعادة الكرة والهجوم على أبو مازن (عباس) بطرق مختلفة عن السابق بعد أن أغلق المؤتمر الباب عليه بالعودة لفتح".
وما زال دحلان، والكلام لمحيسن، يتمتع بنفوذ وتأييد إقليمي ولديه قاعدة شعبية غير مؤثرة في بنية التنظيم، في ظل حالة الانتقادات الموجهة لما أفرزه المؤتمر السابع من شخصيات، فضلا عن "التشكيك في نزاهة الانتخابات".
كما يرى الكاتب، أن واقع القضية الفلسطينية يعيش "أسوأ حالاته"، متوقعا أن يشهد 2017 "حالة من الركود السياسي والمراوحة في المكان"، مشيرا إلى أنه لن يحدث أي اختراق في المزاج الدولي تجاه القضية الفلسطينية التي لم تعد على أولوية دوائر صنع القرار في العالم.
من جانبه، يقول المحلل السياسي عمر عساف، لصحيفة "فلسطين": إن "الرباعية العربية" التي حاولت أن تكون طرفا في تحقيق وحدة فتح، لم تقل كلمتها فيما يجري في الحركة، معتبرا "أن المؤتمر السابع لم يعالج الاستحقاقات المطلوب معالجتها، وكان خطابا انتخابيا"؛ وفق وصفه.
بينما يعتقد الكاتب والمحلل السياسي خالد عمايرة، أن مؤتمر فتح لم ينجح في وضع حد لما يصفه "التدخلات العربية بشأن فتح الداخلي"؛ وفق قوله، قائلا: "المؤتمر انتهى بصورة متواضعة والصورة السياسية العامة ما زالت تراوح مكانها، والأزمات والمشاكل التي تعاني منها فتح متواصلة".
ويتابع لصحيفة "فلسطين": "فتح تبقى مجرد حركة ومؤتمرها ليس له تأثير كبير على القضية الفلسطينية، لأنه انتخب أشخاصا كبار السن"؛ وفق تعبيره، مشيرا إلى أن "المشاكل التي كانت تعاني منها فتح قبل المؤتمر بقيت معها بعده".
وينوه إلى أن "وحدة فتح ستترك آثارًا إيجابية على الساحة الفلسطينية".