قائمة الموقع

​جميل السحّار مزج الذكريات بالعلم ليوثّق الحقائق

2018-05-16T05:23:03+03:00

بعددٍ قليل من الكتب، التي كانت أغلى كنزٍ يملكه في ذلك الوقت، خرج "جميل السحار" الفتى ذو الاثني عشر عامًا من قريته "الجيّة"، هو وثلاث من نساء عائلته، قاطعين الأراضي الزراعية في تلك المنطقة سيرًا على الأقدام.

رحلةٌ امتدت يومين إلا قليلًا، وصلوا في نهايتها إلى وسط مدينة غزة، وذلك بعد أن قرر أفراد قريته الرحيل عنها، بعد الهزيمة التي مُنيت بها جيوش عربية في قرية "كوكبة" القريبة من "الجيّة".

قصة الرحيل ارتبطت بذاكرة فتىً كان شاهدًا على أحداث النكبة، وخوفًا من ضياعها وضياع الحقيقة سرَدها في ستة كتبٍ تتحدث عن تاريخ فلسطين.

قبل الرحيل

لم تكن حياة السحار تلك الحياة الهانئة التي يتمنى أن يعيشها أي طفل، ولكنها كانت في نظره الأجمل والأروع، كانت حياة بسيطة وآمنة، أمان لا يزال يحلم بأن يتمتع به من جديد، كل هذا رغم قلة ما باليد، وضعف ما تنتجه الأرض من مزروعات، كما قال.

وُلِد السحار في "الجيّة"، قضاء المجدل، عام 1936م، كان يعيش "عيشة الفقراء" على حد وصفه، ولكنه لم يكن يحمل أي خوفٍ من المستقبل الغامض.

الطفل المحب للعلم كان يدرس في مدرسة بعيدة عن بلدته، وكان يضطر إلى السير مسافات طويلة ليصل إليها، ليحصل على علمٍ كان هو البذرة التي نَمَت لتتحول إلى اهتمام بالغ بدراية التاريخ، العربي والفلسطيني.

"لا أزال أتذكر معظم الأحداث التي حصلت في فلسطين، خاصة ما سبق النكبة، أتذكر كيف أخذ جدي مصاغ جدتي، فباعه ليشتري بالمال بارودة له ولأبي، لقتال اليهود، وكنت أنا صاحب شرف إطلاق أول رصاصة بها في 1945".. هكذا بدأ السحار حديثه مع "فلسطين".

وعن الليلة الأخيرة في "الجية"، قال: "كانت عائلتي قد انتهت من جني محصول القمح، وتزامن ذلك وقوع معركة في قرية كوكبة التي لا تبعد كثيرًا عن قريتنا".

وأضاف: "بقينا مستيقظين حتى انتهى إطلاق النار الذي كنا نميزه، فكنا نعرف الطلقة العربية من طلقة العصابات الصهيونية، ثم نمنا على القشّ خارج المنزل، لتشرق الشمس بعدها على هزيمة الجيوش العربية وفرارها من كوكبة".

وأوضح: "الجيوش العربية مرت من الجيّة، بالإضافة إلى العشرات من الفلسطينيين الذين هربوا للقرية من بطش العصابات الإسرائيلية، ولكن سرعان ما خرج أهلها متجهين إلى قطاع غزة".

وبيّن أنه بعد وصول أهل "الجية" لغزة، مكثوا فيها ثلاثة أيام تقريبا، ثم اتجهوا لمدينة خانيونس جنوبي القطاع وبقوا فيها لمدة ستة شهور، وبعد ذلك استقروا في جباليا بعد سماعهم عن قيام الجيوش العربية بشن حرب على الاحتلال الإسرائيلي، وذلك استعدادًا للعودة لقريتهم.

ولكن الأمل الذي تعلقوا به لسنوات طويلة خاب، أو بمعنى أصح ضاع بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب 1967، كما قال السحار.

لم يقوَ على فراق بلدته، فزارها بعد الهجرة، قال: "زرت الجيّة ثلاث مرات بعد خروجنا منها، وفي كل زيارة كنت أجد الاحتلال الإسرائيلي يحاول تغيير ملامحها وإزالة أبرز معالمها، حيث هدم البيوت، وأزال المقبرة، وهدم بئر القرية والجامع، ولم يتبقَّ إلا بعض أشجار التين والبلح والجميز"، مضيفًا أنه زار غيرها من القرى والمدن الفلسطينية بعد وقوعها تحت الاحتلال للتعرف عليها.

علمٌ وذكريات

جمع السحار بين اهتمامه بتاريخ فلسطين، وما يحمله من ذكريات عن فترة النكبة، فدرس التاريخ في إحدى الجامعات المصرية، ثم عمل مدرّسًا لمادة التاريخ في إحدى مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لمدة تزيد على 25 سنة.

بعد التقاعد، تفرغ لكتابة التاريخ الفلسطيني، فأصدر ستة كتب توثق تاريخ فلسطين ومدنها وقراها، بدأها بكتاب عن قريته "الجيّة"، ثم كتاب تاريخ فلسطين.

حديث السحار مع "فلسطين" كان مزيجًا من الذكريات والتأريخ، قال: "الكثيرون يعتقدون أن الشعب الفلسطيني كان شعبًا جاهلًا بسبب الفقر والانتداب البريطاني، لكن الحقيقة هي أن الفلسطينيين كانوا واعين تمامًا بالمخططات البريطانية والصهيونية الطامعة في فلسطين".

وأضاف: "الثورات الفلسطينية كانت أكبر دليل على وعي الفلسطينيين، والتي بدأت بثورة موسم النبي موسى عام 1920، ثم ثورة 1921 في القدس ويافا، وبعدهما ثورة 1929 في يافا والتي فيها هُدمت البلدة القديمة، وصولا إلى الثورة الكبرى عام 1936، وما تلاها من ثورات حتى 1939، والتي كانت كلها نتيجة حالة الاحتقان السائدة بين الفلسطينيين بسبب سياسات الانتداب البريطاني وجلبه للصهاينة من كافة أنحاء العالم".

وتابع: "المقاومون الفلسطينيون كانوا يقتحمون المستعمرات، ويواجهون القوى الإنجليزية بالكمائن على الطرقات، ويلحقون بها خسائر فادحة رغم قلة السلاح".

وواصل: "كان المقاوم الفلسطيني كان يواجه الجنود البريطانيين والعصابات الصهيونية بأبسط أنواع الأسلحة وبصناعة الألغام ونصب الكمائن لهم".

اخبار ذات صلة