لا شيء يحلم به الفلسطينيون ويتمنونه أكثر من قصف الكيان الصهيوني، وتهديد أمنه، وترويع أهله، وهدم مبانيه، ونسف مساكنه ومنازله، وتدمير منشآته وتخريب مؤسساته، وإشعال النار في مستوطناته وبلداته، ودفع مستوطنيه إلى الفرار والهروب، وإلى الاختباء في الملاجئ طلبًا للحماية، ومغادرة البلاد أملًا في النجاة، فرارًا من الموت وسعيًا وراء الحياة، إذ لا شيء يرعبهم سوى الموت، ولا يخيفهم شيء كما القتل، إذ هم أحرص الناس على الحياة، وأكثرهم تمسكًا بها وخوفًا من فقدانها، وما أصابهم بالأمس حلمٌ طالما تمناه الفلسطينيون وانتظروه، وعملوا لأجله كثيرًا وسعوا في سبيله طويلًا، وقد ظنوه عزيزًا صعب المنال، وأنه شيءٌ مستحيلٌ أو ضربٌ من الخيال، لكنه بات بالأمس سهلًا وليس بالمحال.
لهذا فقد فرح الفلسطينيون وابتهجوا، وسُرَّوا وسعدوا، وارتسمت البسمة على شفاههم، وانطلقت الزغرودة من أفواه نسائهم، عندما رأوا صواريخًا عربية وأخرى إسلامية تدك أركان الكيان، وتزلزل بالقوة جنباته، وتبث الرعب بين سكانه، وتزلزل الأرض تحت أقدامهم وتشعل النار من حولهم، إذ لا شيء يرضي الشعب الفلسطيني أكثر من كسر أنف هذا العدو المتغطرس المتجبر، وتحطيم كبريائه، وفضح حقيقته وكشف صورته، وبيان ضعفه وهشاشته مجتمعه وبنيانه، ودفعه للشكوى وطلب العون والنصرة، ورفع الصوت مطالبًا وقف القصف والكف عن استهدافه، والإعلان عن انتهاء الجولة وعدم الرغبة في الاستمرار أو المواصلة.
يحق للفلسطينيين أن يفرحوا كثيرًا، وأن يؤيدوا بقوةٍ قصف الكيان الصهيوني، ويجب عليهم أن يشكروا من قام بهذا الفعل، وأتبع التهديد بالعمل، وصدق القول بالقصف، فهم في حاجةٍ إلى النصير، ويتطلعون إلى السند والحليف، ويريدون من إخوانهم أن يقفوا إلى جانبهم، وأن يؤيدوهم في حقهم، وأن ينتقموا لهم من عدوهم، وأن يضعوا لعدوانه حدًا ولظلمه نهاية، فقد بغى واستكبر، وظلم وتجبر، واستفرد بالشعب الفلسطيني وأثخن فيه قتلًا، ومضى في أرضه نهبًا وتهويدًا، ومصادرةً وتخريبًا.
فرح الفلسطينيون المحاصرون في قطاع غزة، المخنوقون بين حدوده، والمطحونون برحى جيرانه، والمعصرون بين لابتي عدوه، والمعذبون بالعقاب والحرمان، وبالجوع والعدوان، والقهر والجدران، والمعتقلون في السجون وخلف القضبان، وتمنوا أن يستمر القصف وأن يتواصل، وأن يشمل ويعم، وينتشر ويتمدد، ليطال الكيان كله، ويستهدف العدو على مدى الوطن المحتل، فلا يكون له في أرضنا بقعةً آمنة، ولا منطقةً سالمةً، ولا مدينةً حصينة، ولا مستوطنةً مكينة، ولا ملجًا يحميهم من الموت أو يقيهم من الهلاك، فقد أوجعنا العدو وآلمنا، وظلمنا وبغى علينا، وشتتنا وقتلنا، ومزق أرضنا وفرق شعبنا، وحرمنا حقوقنا واستباح حياتنا وأهرق دمنا، فحق لنا أن نفرح إذ بكى، وأن نبتهج إذ صرخ، وأن نشكر من تسبب في ألمه، وشارك في وجعه.
يعيب البعض على الفلسطينيين فرحهم، ويدينونهم على عاطفتهم، ويتوعدونهم بالويل والثبور وعظائم الأمور على ما أبدوا من مشاعر الفرح ومظاهر الابتهاج، ويتهمونهم بالتيه والضياع والانحراف والضلال، ويحذرونهم من مغبة التأييد والانجرار، بل إنهم يريدون منهم غير ذلك، يطلبون منهم أن يفرحوا لرد العدو وقصفه، وأن يبتهجوا لعدوانه وبغيه، وأن يقفوا معه وإلى جانبه، وأن يتفهوا ما قام به وما بادر إليه، فما أقدم عليه من قصفٍ إنما هو مشروعٌ ومباح، إذ أنه صد عدوًا متربصًا، وهاجم خطرًا متوقعًا، واستبق عدوانًا محتملًا، إنهم يدافعون عنه وكأنه يقاتل باسمهم، ويدافع عنهم، ويصد عدوانًا نيابةً عنهم، وما علموا أنه يتهيأ لهم، ويستعد ليومٍ قريبٍ ينقض عليهم ويقتنصهم، ويسيطر عليهم ويفتك بهم.
أولئك يتآمرون علينا، ويتفقون مع العدو ضدنا، ويحيكون مع أمريكا والغرب المخططات للنيل منا وتجاوز حقنا، كما يتفقون فيما بينهم على حصارنا، ويتوحدون على معاقبتنا، ويريدون نزع سلاحنا وإنهاء مقاومتنا، ويدفعوننا للتنازل عن حقوقنا والتفريط بأرضنا، والاعتراف بعدونا والتسليم له بما يريد، والقبول به بيننا ومعنا عضوًا وشريكًا، إذ اعترف بعضهم بشرعية وجوده، وأقر بأصالة حقوقه، وقانونية دولته على أرض ممالكه التاريخية، وإرث ملوكهم وأنبيائهم قبل آلافٍ من السنين، ثم يريدون منا أن نكون معهم ولا نفرح.
عجيبٌ أمر هؤلاء وغريبةٌ هي مقاييسهم ومعاييرهم، يرون العدو حليفًا، والمغتصب شريكًا، والقاتل صديقًا، والمتآمر أمينًا، يطمئنون إليه ويصدقونه، ويركنون إليه ويعينونه، ويدعون له ويباركونه، ويأملون فيه ويتوقعون منه خيرًا، ويلتمسون منه العون ويطلبون منه النصرة، ونسوا أنه يطمع في أرضهم، ويحلم في خيراتهم، ويتطلع إلى مقدراتهم، ويسعى لقتلهم، ويعمل على اختراقهم، ولا يتردد في الإساءة إليهم والعدوان عليهم، وتجاهلوا أنه بنص القرآن الكريم يكرههم، وأنهم وفقًا لقول رب العالمين أشد الناس لنا عداوة، أفلا نفرح إن أرهبته صواريخنا، وأقضت مضاجعه نيراننا، وهددت مشاريعه قذائفنا، وعرضت مستقبله للزوال والفناء مقاومتنا.
أهلًا بكلِّ من قاتل معنا ووقف إلى جانبنا، ومرحى بمن آمن بحقوقنا وناضل من أجلنا، وسلمت يمين من انتقم لنا ورمى نيابةً عنا، وطوبى لمن جهز وقاتل، ومن أعد وقاوم، ومن برى ورمى، ومن بنى ورد على من اعتدى، وسحقًا لمن أراد تحريف قرآننا وتبديل كتابنا، وتغيير مفاهيم ربنا، والاعتداء على موروثات أجدادنا، ومعتقدات آبائنا، فإسرائيل عدونا، وهي عدو الأمة كلها، نقاتلها جميعًا، ونواجهها كلنا، ونتحدى صلفها بوحدتنا، ونواجه كبرياءها باتفاقنا، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون.