في مخيم العودة شرق جباليا شمال قطاع غزة، توافد الآلاف فجر أمس لبدء جمعة النفير السابعة، ضمن فعاليات مسيرة العودة الكبرى وكسر الحصار المتواصلة منذ الـ30 من مارس/ آذار المنصرم، معلنين نذير الغضب مع اقتراب الذكرى الـ70 للنكبة الفلسطينية لساعة الزحف نحو الأراضي المحتلة عام 1948.
وتحولت أرض المخيم من أرض قاحلة صامتة، إلى منطقةٍ تضج بالحياة والفعاليات المطالبة بعودة اللاجئين إلى وطنهم المحتل، وقِبلةٍ للمتظاهرين ضد جرائم الاحتلال وبطش قناصته.
ومنذ انطلاق أولى فعاليات مسيرة العودة في الذكرى الـ42 ليوم الأرض، بدأت الجماهير من مختلف مناطق شمال القطاع تتوافد إلى "مخيم العودة" الذي أقامته اللجنة العليا للمسيرة كواحد من خمس مخيمات أقامتها على طول السياج الفاصل شرق القطاع.
وبدأت حياة المخيم من الجمعة الأولى من انطلاق فعاليات المسيرة، حيث تعرف المتظاهرون السلميون على تفاصيل المنطقة التي لم يسبق لجلهم أن وصلوا إليها؛ كونها منطقة تماس مع الاحتلال، وعقب ذلك بدأت أشكال الحياة تتعدد تزامناً مع ازدياد إصرار الشبان على مواجهة المحتل بمقاومتهم الشعبية السلمية.
وما أن يصل المتظاهرون إلى مدخل المخيم، حتى يستقبلهم مركز طبي مخصص لتقديم الإسعافات الأولية للمصابين وللحالات الطارئة، وعلى بعد خطوات قليلة تنتشر عشرات الخيم التي خصصت للندوات الثقافية والفعاليات الوطنية الداعمة لأهداف ومبادئ مسيرة العودة وكسر الحصار، وإلى الجوار منهم شيد مصلى متوسط المساحة.
وعلى جانبي الطريق الترابي الواصل إلى أقرب مناطق التماس مع جنود الاحتلال المتمركزين خلف التلال الرملية، يقف الباعة المتجولون خلف عرباتهم المتنقلة يقدمون من خلالها المشروبات الساخنة والباردة وبعض الوجبات السريعة للمشاركين في المسيرة، بينما نُصب في الركن الشمالي للمخيم خيمة كبيرة خصصت للنسوة المشاركات.
وعن ظهر قلب، يحفظ الحاج عبد الكريم أبو شحادة تاريخ منطقة المخيم المسماة "تلة أبو صفية"، حيث أوضح لصحيفة "فلسطين" أن الأراضي المحيطة بالموقع الإسرائيلي كانت تتميز قبل اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 بخصوبة تربتها وغزارة إنتاجها الزراعي من الحمضيات والفاكهة بأنواعها، قبل أن يتعمد الاحتلال تجريفها وتحويلها إلى أرض قاحلة.
ويقول أبو شحادة إن مسيرة العودة ساهمت في إعادة تعريف الكثير من المواطنين خاصة الأجيال الصغيرة منهم، بتاريخ هذه المنطقة وما كانت تمثله في الماضي القريب من ركن هام في السلة الغذائية الخاصة بالقطاع، مشيراً إلى أن المسيرة نجحت في كسر حالة الخوف والحذر التي كانت مرتبطة بالمنطقة.
وما بين جمعة وأخرى تقصد العديد من العائلات مخيم العودة برفقة أطفالهم، وعلى ذلك يعلق المواطن محمد القانوع قائلاً: "زرت هذه المنطقة للمرة الأولى قبل انطلاق مسيرة العودة، وكنت أعتقد أن الحياة لا يمكن لها أن تصل إلى هنا، لكني شاهدت العكس، وعلى إثر ذلك تناولت طعام الغداء أربع مرات برفقة زوجتي وأطفالي بعيداً عن جدران المنزل".
أما الشاب محمود الغندور، الذي يواظب على الحضور إلى المخيم بشكل يومي، فذكر أن معالم الحياة لا تقتصر على توافد المواطنين للمخيم، مضيفاً "أصبحنا هنا كعائلة واحدة نتقاسم الأفراح والأحزان، نعمل كخلية نحل مشتركة لإنجاح مسيرة العودة وتحقيق أهدافها السلمية رغم ارتقاء الشهداء من بيننا وإصابة الكثيرين من الذين كانوا معنا بالأمس".

