مع بداية شهر أيار/ مايو من كل عام، يتحوّل سهل بلدة دير بلّوط بمحافظة سلفيت في الضفة الغربية المحتلة، إلى مقصد مئات الفلسطينيين الراغبين بشراء ثمار الفقّوس (نوع من أنواع الخيار البلدي).
وتبدو الحركة نشطة في كل اتجاه في السهل الزراعي؛ نسوة يقطفن ثمار "الفقوس" وأخريات يبعنه على الشارع العام.
وتتمسك النسوة بزراعة الفقوس في بلدتهن "دير بلوط"، تمسكا منهن بأرضهن، والمحافظة على المهنة التي توارثوها من أجدادهم، في ظل انشغال أزواجهن بأعمال أخرى.
المزارعة بسمة عبد الجواد (58 عاما)، تقول بينما كانت تقطف ثمار الفقوس مع سيدات أخريات: "توارثنا زراعة الفقوس من أجدادنا، وباتت موسما سنويا".
وتملك عبد الجواد نحو 500 متر مربع، تزرعها بالفقوس، وتستأجر نحو دونمين آخرين (الدونم يعادل ألف متر مربع).
وتضيف: "تعودنا أن نزرع الفقوس، نمضي يومنا في مثل هذا الموسم في المرج (السهل)".
ويزرع الفقوس بذات الطرق التقليدية القديمة، بحسب "عبد الجواد"، وتبيع منتجاتها لتجار يسوقونه للمستهلك، في "بسطات" تنتشر على أطراف السهل.
وتبلغ مساحة سهل دير بلوط نحو 1200 دونم، تُزرع غالبيتها بالفقوس.
وتزرع بذور الفقوس البلدي مطلع شهر مارس/ آذار، ويبدأ بقطف ثماره مطلع أيار/ مايو من كل عام.
وتعمل غالبية نساء دير بلوط في الزراعة طوال العام، وعن ذلك تقول المزارعة تمام عبد الله (49 عاما)، أنها تمضي وقتها في الأرض طوال السنة.
وتضيف خلال عملها في أحد الحقول: "نزرع صيفا وشتاء، ويعد موسم زراعة الفقوس أفضل المواسم، حيث ينتج بشكل يومي".
وتشير إلى أنها تعيل وتعلّم ابنتها الطالبة الجامعية من مردود الأرض، ولموسم الفقوس الفضل الأكبر في ذلك.
وتقطف عبد الله بعض الثمار وتقول: "فيها طعم مميز، تجعل كل من يذوق طعمها يريد شراء المزيد، فهي طبيعية مائة بالمائة، لا يستخدم أي نوع من أنواع السماد الكيميائي ولا يستخدم أي نوع من المبيدات الحشرية".
وتقلع بعض النباتات الضارة من بين نباتات الفقوس وتقول: "يوميا أمضي يومي هنا، أزرع واقطف الثمار، الأرض باتت جزء من حياتي"، متخوفة في الوقت ذاته، من استمرار الزحف الاستيطاني الإسرائيلي على حساب الأراضي الزراعية.
وتشير لمستوطنة إسرائيلية لا تبعد عشر أمتار عن أرضها قائلة: "في كل يوم يزحف الاستيطان نحو السهل، بات قريبا جدا، وجودنا اليومي يثبت الأرض ويحميها من الأطماع الإسرائيلية".
وإلى الشرق من بلدة دير بلوط، تشيّد عشرات الوحدات الاستيطانية في مستوطنة "ليشم"، وإلى الغرب منها جدار الفصل الإسرائيلي.
المزارعة بسمة إسماعيل (62 عاما)، تقول إنها عاشت منذ طفولتها في العمل بالأرض.
وتضيف: "الفقوس جزء من تراث اشتهرت به بلدتها، هو مهنة وتراث نحافظ عليه".
لكن السيدة تشكو من أضرار باتت تلحق الخسائر بالمزارعين، والمتعقلة بتخريب قطعان من الخنازير البرية التي يطلقها المستوطنون للمزروعات.
وتؤكد: "منذ سنوات باتت هذه الظاهرة تقلق المزارعين".
وفي مختلف مناطق الضفة الغربية، بات الفلسطينيون يشتكون منذ سنوات من انتشار حيوان الخنزير البري، الدخيل على البيئة الفلسطينية.
وينظم في بلدة دير بلوط مهرجان تسوق سنوي، يطلق عليه مهرجان "الفقوس والمنتجات الحقلية"، وينظم المهرجان بالتعاون مع وزارة الزراعة الفلسطينية والجهات ذات الاختصاص.
ويأمل أهالي دير بلوط، أن يكون هذا المهرجان نافذتهم للعالم، بحسب مديره عبد الله داود.
ويضيف داود: "شكّل المهرجان على مدى الخمس سنوات الماضية نقلة نوعية في المحافظة على الأرض الفلسطينية والتواجد اليومي فيها".
وتابع: "المهرجان فرصة للتسوق الزراعي وتعريف المستهلك بهذا المنتج".
ولفت إلى أن ما يميّز زراعة الفقوس في البلدة أنها مهنة وإنتاج نسوي بامتياز.
وبيّن أن المرأة في بلدته تُصر على التواجد اليومي في أرضها في كل المواسم، رغم البرد أو الحر.
ويُزرع في سهل "دير بلوط" الذي بات يحظى بشهرة على مستوى الضفة الغربية، نبات البامية والبصل والثوم والحمص، ولكن الجزء الأكبر منه يزرع بالفقوس.
ويباع الكيلو غرام من الفقوس بـ "5 شواقل" (1.3 دولار).