انطلقت فعاليات مسيرات العودة بالتزامن مع إحياء ذكرى يوم الأرض في الـ30 من آذار/ مارس الماضي، وتبلغ ذروتها يوم الـ15 من أيار/ مايو القادم الذي يوافق ذكرى النكبة الفلسطينية من عام 1948. حيث ينظر الفلسطينيون إلى المسيرات على أنها حجرهم الوحيد الذي قد يضربون به جملة من الأهداف التي تمثل تحديا كبيرا يعصف بقضيتهم، لعل أبرزها "صفقة القرن"، والانقسام الداخلي.
وجاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فلقد راهن الاحتلال على أنه بإمكانه أن يخلي مسؤوليته تجاه غزة، وحاول إخراجها من المعادلة وتعامل معها ككيان معادٍ، وقدمها للعالم على أنها مأوى للإرهاب، وأن السكان فيها لا يجيدون سوى ضرب الصواريخ وحفر الأنفاق، لكن ما أثبتته مسيرات العودة جاء مخالفا لكل توقعات الاحتلال وحلفائه، فقد سددت المسيرات ضربة مهمة للمخططات الإسرائيلية التي عملت منذ الانسحاب الإسرائيلي من غزة عام 2005، على دفع غزة باتجاه الانفصال عن الضفة، وأكدت أن الاحتلال يجب أن يدفع كلفة احتلاله وجرائمه.
لقد شقت مسيرات العودة في مجمل تداعياتها طريقا مستقيما نحو الحقوق الفلسطينية ويتوقع أن تستمر في شق طريقها على أمل تصحيح مسار الصراع مع الاحتلال بما حققته من نجاحات منذ ان انطلقت في ذكرى يوم الأرض، ورأى فيها حافزا أكبر لتوسيع هذا النجاح، وتعميمه في ذكرى إحياء النكبة؛ وهي على النحو الآتي:
أولًا: عودة القضية الفلسطينية وحق العودة للفلسطينيين إلى أجندة السياسة الإقليمية والدولية.
ثانيًا: فضح الاحتلال في الساحة والمحافل الدولية ولفت أنظار العالم بعدم الانجرار وراء دعاوى ونوافذ الاحتلال لنقل سياراتهم إلى القدس.
ثالثًا: إعادة طرح موضوع حصار غزة والأزمة الإنسانية فيها من جديد على صدارة الاهتمام العالمي.
رابعا: وضع المزيد من العقبات أمام "صفقة القرن" للرئيس ترامب.
خامسا: تحويل حدود غزة الشرقية والجنوبية والشمالية لمراكز احتكاك جديدة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.
سادسا: استعادة الطابع الشعبي للصراع الذي يخوضه الفلسطينيون.
سابعا: الحيلولة دون اتخاذ السلطة الفلسطينية لمزيد من العقوبات على القطاع.
ثامنا: تنبيه العالم العربي من مسألة التطبيع مع الاحتلال، الذي سيصبح الوكيل الحصري في الإقليم ليمدوا أذرع النهب والسلب إلى ثروات العالم العربي وخزائنه.
إن مسيرات العودة ومخطط نصب الخيام يصيب الاحتلال في الصميم، ويقتلع ويهدم عروش شرعيته الدولية المستمدة منذ قرار التقسيم، حيث أنزلت قادة الاحتلال والحالمين فيه وعلى رأسهم نتنياهو وليبرمان إلى الواقع وأنزلهم من برجهم العاجي الواهم؛ المستند إلى عصر من التطبيع والتصهين و"صفقة قرن"، لكنها في الوقت نفسه تؤكد زيف مقولة الصهيونية التاريخية "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".
لا يسعني في هذا المقال إلا أن أقول: إن مسيرات العودة التي انطلقت من يوم الأرض وحتى يوم النكبة، هو الخطوة الأولى الأهم في السنوات الأخيرة، ولو على مستوى الوعي والذاكرة في وجه محاولات تصفية القضية الفلسطينية لصالح "صفقة القرن" أو ما شابهها إلى أنها خطوة يخشى الاحتلال من تداعياتها على الوعي الدولي العام قبل خشيته من تداعياتها الأمنية المباشرة عليها. وهو يدرك أن المسيرات ستكون أكبر شاهد ومذكر للعالم بحجم النكبة الفلسطينية وبحجم معاناة من يعيشون تحت الحصار منذ عشر سنوات.